الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتسابق الكثير من الكتّاب والمهتمين من ذوي الاختصاص المهني و الأكاديمي أو حتى من الكتّاب الهواة إلى التنبؤ بالأوضاع الاقتصادية وإمكانية حدوث أزمة اقتصادية عالمية جديدة على وقع الأحداث العالمية والإقليمية الجارية منذ العام الماضي وما قبله. وقبل الحديث عن احتمالية حدوث أزمة اقتصادية عالمية من عدمه وحتى نضع النقاش في سياقه الموضوعي؛ فإننا سنقوم بداية بتوضيح طبيعة الأزمات التي تصيب الاقتصادات؛ ومستوياتها وعلاقتها بالأسواق المالية. وفي المقال التالي سنتحدث عن احتمالية حدوث أزمة اقتصادية في هذا العام.
تمثل الأسواق المالية حلقة الوصل بين الأموال الفائضة التي تبحث عن فرص استثمارية وبين الجهات التي تبحث عن تمويل لمشروعاتها الجديدة أو القائمة للأجل القصير أو الطويل. والأسواق المالية ركن أساسي من أركان أي نظام مالي حديث إلى جانب النظام المصرفي ومؤسسات الخدمات المالية الأخرى.
على الرغم من أهمية الأسواق المالية وفوائدها العديدة إلا أن هذه الأسواق قد تجلب مشاكل كثيرة بسبب الاضطرابات التي تحدث فيها على شكل تذبذب حاد في مستوى الأسعار ينتهي بانخفاضات كبيرة ومستمرة لفترة زمنية قد تمتد لأيام تداول عديدة؛ الأمر الذي يؤدي إلى أزمات في هذه الأسواق تؤثرسلباً وبشكل جوهري على قيم الاستثمارات؛ سواء أكانت أصولاً متداولة أو أسهم وسندات وأدوات مالية أخرى، أو محافظ استثمارية تستثمر في هذه الأصول المالية. إن اقتصار أزمات الأسواق المالية على المتعاملين فيها يبقي الضرر محدوداً كما حدث في أزمة السوق المالية في المملكة عام 2006.
إن تعدّي أثار أزمة السوق المالية إلى الصناعة المالية ومؤسساتها مثل البنوك التقليدية (التجارية) وبنوك الاستثمار تؤدي إلى وصول الأزمة إلى مرحلة الأزمة المالية، بحيث تظهر بشكل أساسي على ضرب الركن الأساسي للبنوك ألا وهو السيولة؛ بحيث تمر البنوك في حالة خلل هيكلي يظهر من خلال عدم قدرتها على تسديد التزاماتها تجاه المودعين وضعف جودة أصولها المالية المتمثلة أساساً بمحفظة القروض والاستثمارات المالية قصيرة الأجل. وفي هذه الحالة تهرع السلطات النقدية والمالية ممثلة بالبنك المركزي ووزارة المالية وتعلن حالة الطوارىء القصوى لمحاصرة الأزمة بحيث لا تتحول إلى أزمة اقتصادية عامة، وذلك من خلال ضخ السيولة في النظام المصرفي إما من خلال قروض ميسرة للبنوك أو شراء الأوراق المالية منها. وهذا ما حدث في الأزمة المالية الأخيرة (2008-2012) في الولايات المتحدة، إذ بلغت تكلفة هذه الأزمة المباشرة ما يزيد عن 700 مليار دولار أمريكي تحمّلها دافعو الضرائب هناك.
بما أن النظام المالي بمؤسساته واسواقه يمثل محور النظام الاقتصادي فإن الفشل في الحد من آثار الأزمة المالية سيؤدي حتماً إلى أن تتحول الأزمة إلى أزمة اقتصادية تزلزل أركان الاقتصاد بكل مكوناته، حيث ستهتز أركان الاقتصاد من جهة التضخم المحلي المتمثل بارتفاع الأسعار والتضخم المستورد الناتج عن انخفاض أسعارصرف العملة المحلية بحيث تنخفض إلى مستويات خطيرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الفوائد الذي سيتفاقم مع ارتفاع نسبة التضخم، كما سترتفع نسبة عجز الموازنة وينخفض التصنيف الائتماني للبلد ولديونه السيادية. الأمر الأكثر خطورة في الأزمات الاقتصادية إذا تعمقت أنها تؤثر على الأمن الاجتماعي بارتفاع نسب الفقر والبطالة وغيرها من الأمراض التي تنخر جسد البلد المصاب. وقد واجهت الولايات المتحدة في بدايات القرن الماضي فيما عرف بالكساد الكبير عام 1929 أزمة تدحرجت من أزمة أسواق مالية لأزمة نظام مالي ثم لأزمة اقتصادية. ولهذا فإنني أعتبر الأزمات الاقتصادية من النوازل التي تشبه أو تزيد في تأثيرها السلبي عن الزلازل والأوبئة وحتى الحروب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال