الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
@DowidarEihab
الفقر.. ذلك الغول الموغلُ في الشراسة والإذلال عدوٌ للإنسان كرامةً وحياةً. لكنه في المقابل سنة من سنن الحياة. تفاوت الناس قانون حياتي طبيعي. وبالتالي فالفقر كذلك. لم تعالجه أمة عبر التاريخ إلا بسر واحد هو (الزكاة) إذا أحسن أخذها بموازينها وأوقاتها وأنفقت بمصارفها.
لذا ما افتقر المسلمون إلا بخلل في تسيير (الزكاة) وفق أسسها الشرعية. لكنا لسنا وحدنا على الأرض. فعليها أمم غير مسلمة تسعى حكوماتها جاهدة للقضاء على الفقر. فكيف هي أحوالهم؟.
الفقراء يختلفون! منهم من يُولد في بلد فقير متوسط دخل فرده يقل عن 600 دولار سنوياً ومنهم من يكون أشد بؤساً، فيُولد فقيراً في دولة متوسط دخل فردها عشرات الآلاف من الدولارات. فهذه المجتمعات أعني الأخيرة تعاني الكثير من البلاءات. ولئن قيل إن الفقر رأس كل بلاء فيعني أن المعالجة الناجعة لا تكون بالتعامل مع كل بلاء على حده بل (بقطع) (رأسه).
لو كان ضخ الأموال مصلاً سحرياً للقضاء على مرض الفقر لما وُجد وانتشر في دولة تضخ حكومتها وشعبها أموالهما من مؤسسات عامة كالضمان الاجتماعي وجمعيات خيرية ومنشآت خاصة للضريبة والزكاة بند أساسي بقائمة دخلها المالي، إضافة لإنفاق أفراد مجتمعها كباراً وصغاراً على الصدقات والتبرعات، فكما كنا بحاجة لهيئة مكافحة الفساد نحن بأمس حاجة أيضاً لهيئة لمكافحة الفقر، ولا أقول للقضاء على الفقر لأنه مستحيل باعتباره من سنن الحياة. وهيئة كهذه يفترض أن تدير أعمالها بجودة لا تقل عن إدارة الأزمات.
صحيح أن قائمة أفقر شعوب هي دول أفريقية. تتصدرها الكونغو الديموقراطية التي يعيش فردها بأقل من دولار واحد في اليوم بحجم تضخم عال وحرمان من أهم أسس النمو الإقتصادي وهما الأمن والاستقرار نتيجة حروبها الأهلية ونزاعاتها المسلحة. تليها زيمبابوي بنسبة بطالة 80 بالمئة، لكن الأفارقة في قائمة أكثر عشر دول فقراً لا يتجاوزون دولتين، هما نيجيريا بـ46.5 مليون فقير وأثيوبيا بـ40 مليوناً. بينما يتصدر الآسيويون القائمة بسبع دول على رأسها الهند 350 مليون فقير، فالصين بـ 105 مليوناً، ثم بنجلادش بـ 93,5 مليون فقير. أمّا البلد الوحيد الخارج عن القارتين الأسيوية والأفريقية فهي البرازيل بـ 72,5 مليون فقير وتأتي رابعاً.
ما السر أو القاسم المشترك لزيادة فقر الدول؟ سؤال لا إجابة واحدة له. فليست القوة العسكرية معياراً لتحجيم الفقر، فها هي كوريا الشمالية النووية وقد ضربتها مجاعة. فالفقر لا تُسقطه الطلقات ولا القاذفات.
كما أن التقدم التكنولوجي ليس عنصراً. وإلّا لعالجته أحد برامج القضاء على الفيروسات. وليست الحقوق المدنية والحريات معياراً، وإلّا لانتهى بمحاكمة عادلة في لاهاي. وليست النزاهة ومحاربة الفساد، وإلّا لتم استئصاله ووضعه عبرةً للملأ كي لا يُعاود فعلته فترتدع باقي البلاءات. ولو كانت شفافية الدولة وحرية الإعلام هي الكفيلة به وحدها لتصدّر إسمه صفحات الحوادث والوفيات معلنة إنتقاله إلى العالم الآخر دون رجعة.
حتى الموارد الطبيعية والثروات النفطية وحقول الغاز لا تكفي للتخلص منه وإلّا لصدّرته العراق على أول سفينة شحن خارج البلاد، وليست الأراضي الخصبة التي تجري من تحتها الأنهار وإلّا لابتلعته مصر والسودان، وليست القبضة الحديدية وإلّا لساقه الحكام الطغاة بالحديد والنار إلى مقبرة جماعية تعجز هيئة حقوق الإنسان ومجلس الأمن القومي والأمم المتحدة واللجان الدولية اكتشافها، ولا حتى الديموقراطيات قادرة عليه وإلّا لأعلنتْ سقوطه في قائمة الانتخابات ، حتى وإن اجتمع أغلب ما ذكرناه في دولة واحدة لكان حرياً أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية بطلة القضاء عليه دون رحمه، فبها أكثر من ثلاثين مليون فقير أمريكي تحت خط الفقر أي ما يقارب 15 بالمئة من شعبها.
لكن هناك أناساً لا يؤمنون بما نسميه (المستحيل). منهم زعيم دولة لم يكُ لها وجود قبل 1963م ومتوسط دخل فردها في 1970 بلغ 376 دولاراً. بدأت خطة العمل في 1981م صانعة تحولاً اقتصادياً مذهلاً، من اقتصاد قائم على الزراعة إلى مرتكز على الصناعة. فكان نتيجته ارتفاع متوسط دخل الفرد لأكثر من 9000 دولار في عشرين عاماً. أكد ذلك وزيرها (للتخطيط) الاقتصادي متطلعاً لمزيد نمو في الأعوام المقبلة مع (العمل) على أن يصل دخل الفرد إلى 15000 دولار سنوياً بحلول 2020 ميلادي (وليس 2020 هجري). و ربط ذلك بضرورة رفع مستوى (الابتكار) و(الإنتاج) و(الكفاءة) لتصبح من الدول ذات الدخل المرتفع.
تلك هي (العملية) التنموية التي أجراها (الجرّاح) مهاتير محمد (بالأدوات) اللازمة والشديدة التعقيم (للمريض) الماليزي آنذاك. رغم أنني درست خرائط العالم مبكراً لكني أتحيّر تماماً في رسم خارطة مستقبلي الاقتصادية.
ولعل الأمر (يحتاج) تحديد الهدف وتاريخ تحقيقه المستهدف لرسم الخطة والبرامج المناسبة في ضوئه.
كيف ؟ الله أعلم. المهم ألا تُبنى على مفهومي الإقتصادي الوحيد: طلع البترول .. نزل البترول.
عندها فقط أنام قرير العين قائلاً لكل صاحب حاجة (تصبحون على غنى) و(حقائق سعيدة).
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال