الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على الرغم مما للنفط من مكانة كبيرة في اقتصادنا وحياتنا، إلا أننا كسعوديين نجهل الكثير عن هذه المادة الحيوية المهمة التي وهبها الله لهذه الأرض الطيبة. لا شك أن لدينا خبراء ومختصين في مجالات النفط المختلفة، ولكني أجدها مفارقة عجيبة أننا لم نوظف هذه الميزة النسبية بالشكل المطلوب، والتي أعتقد أن من المفترض أن نكون المرجع العالمي في كل ما يخص النفط من شأن، من حيث استخراجه وصناعته وتسويقه وتداوله. في مقالة اليوم والأسبوع القادم، سأسلط الضوء على الأسواق المالية المعنية بتداول النفط، من حيث آلية عملها وطرق الاستثمار في مادة النفط.
عندما نتحدث عن النفط فنحن نقصد النفط كمادة خام مستخرجة من باطن الأرض، تختلف في تركيبتها الكيماوية حسب موقع استخراجها حول العالم، حيث نجد أن من أفضل أنواع النفط الحلو الخفيف ذلك النفط المستخرج من غرب ولاية تكساس الأمريكية وجنوب ولاية أوكلاهوما، وهو النفط المستخدم في تسعير عقود النفط حول العالم، ينافسه في ذلك خام برنت المستخرج من بحر الشمال في أوروبا. والسبب في علو جودة خام غرب تكساس يعود لكثافته الخفيفة، التي تساوي نحو 40 في مقياس الكثافة، ما يعني أنه يطفح فوق الماء، ومعروف أن أي مادة سائلة كثافتها أكثر من عشرة تطفح فوق الماء، وهو بذلك أخف قليلاً من خام برنت، ومعظم أنواع النفط المستخرج في الخليج. غير أن ما يميز نفط غرب تكساس الخفيف عن غيره زيادة حلاوته بسبب انخفاض نسبة الكبريت فيه، حيث يسمى النفط الذي لا تتعدى نسبة الكبريت فيه نصف نقطة مئوية بالنفط الحلو، وما زاد عن ذلك يسمى النفط الحامض. فنجد أن نفط غرب تكساس تصل نسبة الكبريت فيه إلى نحو ربع نقطة مئوية، بينما نجدها في برنت نحو ثلث نقطة مئوية، وأعلى من ذلك في معظم نفط الخليج.
ما يعنينا في هذه المقالة هو أن هناك مؤشرات مرجعية لأسعار النفط، تستخدم كمقياس لسعر برميل النفط ويتم تسعير الأنواع الأخرى من النفط وفقاً لها، وأشهر هذه المؤشرات هو سعر نفط غرب تكساس المستخدم في تسعير العقود الآجلة في بورصة نيويورك ”نايمكس”. هنا تجدر الملاحظة أن هناك عدة أسعار لبرميل النفط، أولها السعر النقدي وهو متوسط السعر لصفقات الشراء والبيع التي تتم في مدينة كوشينج في ولاية أوكلاهوما خلال اليوم، وهي عبارة عن أسعار آنية يتم التسليم فيها فوراً. ثانياً هناك أسعار العقود الآجلة للنفط وتمتد من عدة أشهر إلى عدة سنوات، وهي عبارة عن أسعار البرميل الواحد التي يرى المتداولون أنها أسعار عادلة في المستقبل. فقد ينتج عن حركات البيع والشراء في هذه العقود أن يكون سعر النفط لشهر آذار (مارس) المقبل 90 دولاراً، ويكون للشهر المقبل 89 دولاراً، وما نسمعه عن أسعار عقود غرب تكساس إعلامياً هو سعر البرميل للشهر الحالي، أو العقد القريب. يجب ألا يفهم من ذلك أن سعر البرميل سيكون بالفعل 90 دولاراً لآذار (مارس)، بل إن هذا فقط هو السعر الذي تم إبرام عقود بيع وشراء عليه، وقد يأتي آذار (مارس) ويكون السعر النقدي في ذلك اليوم أعلى أو أقل من ذلك. لذا فإن سعر العقد الآجل في أي وقت من الأوقات ولأي شهر من الأشهر هو أفضل ما هو متاح لدينا لمعرفة سعر النفط في المستقبل، وهو السعر الذي يراه المتداولون عادلاً. من هم هؤلاء المتداولون؟
معظم الذين يقومون بتداول العقود الآجلة للنفط هم شركات ترتبط أعمالها بالنفط أو إن النفط يشكل تكلفة كبيرة في أعمالها. على سبيل المثال، هناك شركات الطيران وشركات الكهرباء والماء وشركات البتروكيماويات ومصافي النفط وشركات المواصلات الكبرى. النقطة الأساسية هنا هو أن هذه الشركات لا تقوم بإبرام العقود للحصول على النفط مباشرة، بل إن هذه العقود تستخدم كعقود تأمين على أسعار النفط، لتجنب مخاطر تغير أسعار النفط على هذه الشركات. هذا يعني أن شركة طيران كبرى قد تقوم بشراء عدد كبير من عقود النفط لآذار (مارس) عام 2015، مثلاً ألف عقد، وكل عقد يحتوي على ألف برميل، فتكون الشركة قد تحوطت بمقدار مليون برميل نفط للسنتين القادمتين. ولو أن سعر النفط ارتفع بشكل حاد في الأشهر المقبلة، فإن ذلك لا يؤثر سلباً على هذه الشركة، لأنها تعوض تكلفة ارتفاع الوقود ”المرتبط بأسعار النفط” من خلال الأرباح التي تحققها من هذه العقود. لذا فإن النقطة الأساسية مرة أخرى هي أن العقود الآجلة للنفط لا تعني وجود حاجة لشراء النفط نفسه، بل إنها مجرد تأمين ضد ارتفاع أسعار المنتجات المرتبطة بالنفط.
في مثال شركة الطيران هذه، التي اشترت ألف عقد نفط لآذار (مارس) 2015، لا بد أن يكون هناك بائع لهذه العقود، فمن هو يا ترى هذا البائع؟ من الممكن أن يكون البائع جهة أخرى تتخوف من هبوط أسعار النفط ــــ بعكس شركة الطيران ــــ فتقوم ببيع عقود عام 2015، فيكون لدينا بائع ومشتر كلاهما دخل سوق العقود الآجلة بغرض التحوط. هذا البائع قد يكون شركة نفط ترغب في ضمان سعر محدد لما لديها من نفط، ولا ترغب في الدخول في ”معمعة” تقلب الأسعار. السؤال هنا لو أن أسعار النفط ارتفعت بنسبة 50 في المائة، فمن الرابح ومن الخسران، شركة الطيران أم شركة النفط؟ الجواب أنه لا يوجد رابح ولا خسران لأن شركة الطيران بالفعل حققت ربحا بنسبة 50 في المائة ولكنها تدفع أسعاراً أعلى ــــ ربما بنسبة 50 في المائة ــــ مقابل ما تشتريه من وقود. وكذلك شركة النفط لم تخسر شيئا على الرغم من أنها خسرت بالفعل بنسبة 33 في المائة بسبب العقود التي باعتها ”تأكد من فهمك أن خسارتها 33 في المائة وليست 50 في المائة”، غير أنها تقوم ببيع ما لديها من نفط بارتفاع نسبته 50 في المائة، فلا تكون رابحة ولا خاسرة، وهذا هو الهدف من التحوط.
وقبل أن يعتقد المستثمر العادي أن لا جدوى هناك من دخوله في هذه العقود، كونه ليس شركة نفط ولا شركة طيران، أشير إلى أن هناك فئة كبيرة ومهمة من المتداولين، وهم المضاربون الذين يقومون بدور المشتري أو البائع في أي وقت من الأوقات، ويحققون أرباحاً أو خسائر كبيرة نتيجة تداولاتهم. مثلاً لو أن أحد المضاربين قام بشراء العقد نفسه الذي اشترته شركة الطيران، فسيحقق ربحاً كبيراً جداً نتيجة ارتفاع أسعار النفط بنسبة 50 في المائة في هذا المثال. في المقالة القادمة سنتحدث عن مقدار الربح والخسارة، ونعود لنقطة تقدير أسعار النفط المستقبلية من خلال قراءة أسعار النفط الآجلة.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال