الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رغم إيجابية قرار سلطات المال الصينية بمنع المؤسسات المالية من التعامل بالعملة الافتراضية البتكوين لما تحمله من مخاطر للاستخدام في العمليات الإجرامية وعمليات غسيل الأموال، إلا إني لا أفهم عدم حظر التعامل مع هذه العملة الافتراضية على الأفراد كذلك، والذين سمح لهم استخدامها ”على مسؤوليتهم الشخصية”.
هذه العملة ”الافتراضية” التي لا تستند لأي قيمة أو مرتكز اقتصادي، بل تستند على مدى تقييم الناس لها ومدى تقبلهم لها كقيمه، لا تخضع لأي رقابة مركزية من أي جهة. وتخضع العملة الافتراضية لتحقيقات صينية رسمية لمعرفة مدى استخدامها من قبل تجار المخدرات والسلاح، كما ذكر ذلك بيان صادر من بنك الشعب الصيني. كما ذكر البيان أنه من الصعوبة مراقبة حركة وتدفقات البتكوين مما يجعلها عرضة للاستخدامات المشبوهة. وسبق للسلطات الفيدرالية إن ألقت القبض على أحد الأفراد بتهمه تأسيس موقع على الإنترنت للمتاجرة في المخدرات باستخدام البتكوين كوسيلة للدفع. وعلى الرغم من أن من إقرار الجهات الفيدرالية الأمريكية بإمكانية استخدام البتكوين في أعمال إجرامية، إلا أن التحركات الرسمية مع التعاملات في هذه العملة الافتراضية تتسم باللامبالاة والتساهل المفرط في الرقابة والتقييد.
ولم يبالغ أبدا جرينسبان قبل أيام حين قال إن أسعار البتكوين فقاعة، كما أكد أن على المرء أن يتمتع بدرجة عالية من الخيال لكي يفهم قيمة هذه العملة الافتراضية، وأكد أنه هو نفسه لا يملك الخيال الكافي لفهمها. وشهدت أسعار البتكوين ارتفاعات لم يسبق أن شهدتها ”سلعة” من قبل. ففي ثلاث سنوات ارتفعت من بضع سنتات أمريكية لتتجاوز أسعار الذهب قبل أسابيع قليلة، دون أي سند أو منطق اقتصادي يمكن شرحه وتبريره. المشكلة الحقيقية تكمن في بطء التحركات التي تسبق تكوين الفقاعات التي تحدث بين الفينة والأخرى. ودائما ما نشاهد المضاربين والمقامرين يسبقون جهات التشريع والضبط، والنتيجة بطبيعة الحال خسائر وكوارث، وفي حالة البتكوين أموال قذرة وعفنة نتاج أعمال إجرامية وغير قانونية. في رأيي الشخصي أن أي عمل مضاربي ”محموم” على أي سلعة يعتبر عملية مشبوهة وقذرة، والسكوت عنها ليس إلا مدعاة للانجراف الجماعي لها. والواقع السائد لمشاعر وأحلام المتعاملين في هذه العملة الافتراضية ”التي لا يعلم أحد حقيقة شخص من بدأها” هو الرغبة في الثراء من شيء لا يستطيع أحد شرح قيمته، لأنه وبكل بساطة لا قيمة اقتصادية له.
لا يزال الطريق أمام جهات التشريع القانونية في العالم في بدايته للوصول إلى أسواق مستقرة وخالية من الأعمال التي لا تخضع لمنطق ولا لتبرير أو تفسير. ولا يزال المجرمون متقدمون بمراحل على الجهات الرسمية المنوط بها حماية مصالح الأمم والشعوب. إن الغالب على الجهات المالية المشرعة ردة الفعل على الحدث، وهذا أمر يجب أن ينتهي ويتحول إلى استباق الحدث والكارثة، ودون ذلك ستظل التقلبات المالية سيدة الموقف. لا بد من الضرب وبيد من حديد على أي عملية مالية غير قابلة للشرح والفهم. كما لا ينبغي السماح للمستثمرين أن يكونوا حقول تجارب منتجات لا يفهم أحد طبيعتها ونشأتها ومنطقها، وإلى أن نصل لتلك المرحلة ستكون الأسواق مرتعا خصبا للكوارث التي لا تحمد عقباها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال