الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
التحول إلى معايير المحاسبة الدولية (IFRS) موضوع محاسبي ذي شجون، فهو يمتلئ بالتحديات والأسئلة، خصوصا تلك التي يُفترض أن يملك لها المدير المالي الأجوبة والحلول والكثير من الاستعداد الجيد. أعلنت الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين انتهاء المرحلة الأولى من مشروع التحول، حيث أشارت إلى تواريخ مبدئية للتطبيق تبدأ من عام 2017. وهناك العديد من التجارب الدولية في مسألة التحول وتأثيرات هذا التحول، خصوصا الدول الأوروبية التي تحولت شركاتها المساهمة إلى المعايير الدولية منذ عام 2005. ومع ذلك، لا يُعد التحول مجرد مسألة عادية يكمن استنساخها بكل يسر وسهولة، فلكل بيئة ظروفها ولكل منظمة تحدياتها، خصوصا تلك المتعلقة بالتوفيق بين الواقع والمتطلبات التنظيمية المتزايدة.
يشكل المدير المالي محور الاستعداد الأهم لهذا التحول القادم. المدير المالي، على مستوى المنظمة، هو ضابط عملية التحول إلى معايير المحاسبة الدولية. ويقع عليه واجب تبليغ الإدارة بالآثار المحتملة في الوقت المناسب، وكيفية الاستعداد لها، وعليه كذلك إعداد فريقه وتجهيزه لدعم نجاح عملية التحول. لا يُفوّت الرئيس التنفيذي الجيد فرصة التعلم قبل التغيير القادم، في حين تعد هذه التحولات من أفضل فرص الاستثمار المهني ”المتخصص” للمحاسب الناشئ. والمعايير الدولية تفتح أبوابا جديدة من التطبيقات والتأثيرت، التي تشمل الدوائر المالية والمعرفية المحيطة بالرؤساء التنفيذيين والمديرين الماليين والمحاسبين وغيرهم في هيكل المنظمة، وتمتد للمساهمين والممولين كذلك.
تتنوع وتكثر التأثيرات المحتملة والاستعدادت الواجبة لعملية التحول. لكن، عند النظر من زاوية المدير المالي سنجد أن هناك محاور عدة يمكن الوقوف عندها وتقييمها والاستعداد لها باستراتيجيات وأهداف واضحة. أول هذه المحاور هو الأثر المحتمل للتحول على التقارير المالية. من الوارد ظهور مجموعة من الآثار المؤقتة على صافي الأرباح أو استمرار تقلبات النتائج لفترة طويلة نسبيا. وهنا قد يتطلب الأمر – للشركات المساهمة مثلا – الاستعداد للتجاوب مع ردات الفعل المحتملة، حيث تتأثر بعض الشركات أكثر من البعض الآخر. من المحتمل كذلك أن تصنع عملية التحول مجموعة من التعقيدات المحاسبية والمتطلبات الإفصاحية والنظامية المتنوعة التي تزيد من الضغط على الإدارة خلال فترة قصيرة جدا، وهذه بلا شك من الأمور التي يمكن الاستعداد لها.
المحور الثاني لتأثيرات عملية التحول يخص التغييرات في طريقة القيام بالأعمال، أي أن التحول إلى معايير المحاسبة الدولية سيجعل المنظمة تقوم بالعمل بطريقة مختلفة عن الطريقة التي اعتادتها. أقرب الأمثلة هنا أسلوب إدارة المعلومات والخدمات التقنية. في البداية، يتطلب هذا التغيير من نظم المعلومات المستخدمة مجاراة عملية التحول بالعمل بثنائية (النظام القديم والجديد) وبموثوقية معتبرة، خصوصا إذا كانت نظم المعلومات مرتبطة محاسبيا بمدخلات ومخرجات التقارير المالية. وقد تتأثر كذلك بعض الأنظمة المستقلة (مثل: برامج تقييم المخاطر، احتسابات مكافآت التقاعد الاختيارية، نسب التحليل المالية)، ما يتطلب مراجعة استراتيجياتها وطرق عملها واندماجها مع التغيير الجديد. بل إن التحول إلى المعايير الدولية قد يسبب تفادي أو بيع بعض الاستثمارات، لارتفاع تكلفتها محاسبيا (مثلا: صعوبة قياسها بالقيمة العادلة) أو لأنها لم تعد مربحة، كما كانت، وفق المعايير الجديدة.
يتطلب الاستعداد لعملية التحول لمعايير المحاسبة الدولية أن يتابع المدير المالي تطورات مشروع التحول بدقة بالغة، فكل تأخير أو تعجيل في خطوات المشروع يعني تأثيرا مصيريا على أسلوب الإدارة المالية للمنظمة. وعليه كذلك أن يتنبه للبنود الفنية، التي تتم مناقشتها خلال مراحل المشروع؛ ومعرفته بالتوجهات مبكرا تعني التقليل من المخاطر التي ستواجهها المنظمة. في الحقيقة، ينتظر القائمون على المشروع المشاركة الفاعلة والمباشرة من مجتمع المحاسبين والماليين، وهذا ما تحتاج إليه سوق التقارير المالية المحلية، خصوصا من المديرين الماليين.
التعلم شرط أساسي لنجاح أي تغيير، لذا يشمل الاستعداد الجيد لعملية التحول وجود خطة تدريبية متقنة للمدير المالي ولفريق عمله. حتى الإدارة العليا يجب أن تحظى ببعض التمهيد الجيد لهذا التحول، الذي يشمل تلخيص المخاطر المحاسبية وكيفية قراءة التقارير المالية المعدة بموجب المعايير الدولية. بما أن البنوك المحلية سبقت بقية الشركات في تطبيق المعايير فهي تشكل مثالا محليا ملائما وغنيا للاطلاع، بعد استبعاد تعقيدات الأدوات المالية الموجودة بها. أشير إلى أن الخزانة الدولية المعرفية (المجلات والمؤسسات العلمية والمهنية المتخصصة) تنشر العديد من الإرشادات والشروحات لأفضل الممارسات قبل وخلال وبعد عملية التحول.
على الرغم من أن دور المُنظمين والأكاديميين يظهر كبيرا في مرحلة التخطيط لمشروع التحول، إلا أنه حين تبدأ حفلة التطبيق لهذا النوع من الأنظمة سيجد المدير المالي نفسه المسؤول الأول. سيبقى حينها حبيسا بين المتطلبات النظامية وواقع الأداء، وعليه يبقى الفهم والتنسيق والمواءمة ناهيك عن القيام بكثير من الاختيارات والقرارات، التي ستؤثر بلا شك في أدائه وأداء منظمته. ولا تنتهي الأمور عند ذلك، بل سيجد المدير المالي نفسه بين مراجع الحسابات، الذي يطلب منه العمل بلا أخطاء مع موظفين بلا خبرة ورئيس تنفيذي لا يستلطف التغيير الجديد ولا يريد أن يضطر إلى القيام بالمزيد من التفسيرات وخوض المجهول والغامض. الأكيد أن كل هذه الضغوط تنتهي أمام التخطيط المبكر والمشاركة الفاعلة والصادقة مع الجميع والتعلم المحاسبي المستمر.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال