الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من المؤكد أن ارتفاع الموارد الطبيعية (كالنفطية) يسهم إسهاما واضحا في إحداث ازدهار اقتصادي، لكن حدوث هذا الازدهار، يجب ألا يعمينا عن النظر في طبيعيته: هل هو وقتي، أم أنه يتصف بالرسوخ. الخلاصة التي انتهت إليها عدة دراسات تقول إن وفرة تلك الموارد لا تعني بالضرورة تحقيق نمو اقتصادي متين. كما أن البيانات الإحصائية للدول النفطية خلال العقود الثلاثة الماضية لا تشير إلى أن وفرة الموارد النفطية كان لها تأثير قوي على تحقيق نمو اقتصادي راسخ مستمر.
وفي إطار نظرة أعمق، فإن تأثير الموارد النفطية (والطبيعية عموما) على النمو الاقتصادي يتسم بالتعقيد وتضارب التأثير. ذلك أن وفرة الموارد تصنع قنوات تأثير إيجابية وقنوات تأثير سلبية. وغلبة أحد التأثيرين على الآخر مرتبطة ومعتمدة على عوامل مستقلة عن وفرة الموارد ذاتها.
في نظر ثلة من المحللين والباحثين الاقتصاديين الذين درسوا الظاهرة جيدا، فإن أهم هذه العوامل متصل بقدرات الدولة على كيفية الاستفادة من الموارد، وهذه الكيفية مرتبطة بعوامل كثيرة كالتعلم والاستفادة والثقافة.
بدراسة تاريخية للنمو الاقتصادي في عدد من الدول مثل اليابان وروسيا وهولندا وإسبانيا خلال القرنين الماضيين تبين أن الدول ذات الموارد الطبيعية الأقل حققت نموا اقتصاديا أعلى. ويبدو هذا بصورة أوضح فيما يخص موارد الأرض، حيث إنها عنصر أساسي للزراعة.
دراسات أجريت عن فترات تخص عقودا قريبة دلت على أن كثافة الصادرات من المواد الأولية تضعف النمو الاقتصادي. تم التوصل إلى هذه النتيجة من قبل باحثين درسوا بيانات عن احتياطيات النفط والمعادن، وانتهوا إلى أن الوفرة فيها لم تكن عنصرا هيكليا مهما للنمو الاقتصادي خلال ثلاثة عقود، ابتداء من سبعينيات القرن الماضي، حيث ارتفعت أسعار النفط أكثر من 1000 في المائة خلال عقد السبعينيات.
النتيجة التي تم التوصل إليها هي أن الأهم هو ماذا تفعل الدول بمواردها. وهذه النتيجة يمكن بناؤها على نمط التعلم والاستفادة وخاصة فيما يعني تطوير تلك الموارد.
عملت تحليلات للارتباط الجزئي بين الأرض والثروات المعدنية، وعدد من محددات النمو الاقتصادي، وقد بينت هذه التحليلات أن الواقع يتسم بالتعقيد. الأرض – وهي بالطبع إحدى الثروات الطبيعية – ترتبط سلبيا بمحددات النمو الاقتصادي، أي أن كبر مساحة أرض الدولة كثيرا ما يكون عامل صعوبة في تحقيق النمو الاقتصادي.
لكن موارد النفط والغاز والموارد الطبيعية (خلاف الأرض) بصفة عامة تؤثر إيجابيا وتؤثر في النمو الاقتصادي من خلال قنوات إيجابية وقنوات سلبية.
فمن جهة، تتوفر الموارد المالية لبرامج تنموية، وهذا يترجم، على سبيل المثال، بإنفاق استثماري مرتفع نسبيا، وارتفاع نسبة الالتحاق بالتعليم. كما أن الدول ذات الموارد الأعلى يلاحظ أن اقتصاداتها تجنح أكثر نحو السياسات الاقتصادية القائمة على السوق وليس الحكومة.
لكن في المقابل، أعراض ما يسمى المرض الهولندي تظهر بوضوح مع وفرة الموارد الطبيعية كالنفط والغاز.
المرض الهولندي يقصد به بعبارة مبسطة جدا تضرر قطاع من جراء ازدهار قطاع آخر. ومصدر المشكلة جلب موارد مالية بسهولة. ما يأتي بسهولة يذهب بسهولة، ويبعد الناس عما لا يأتي بسهولة.
كيف يحدث؟ استخدمت النماذج الاقتصادية لفهم وتفسير أحداث اقتصادية وجدت فيها قطاعات منتعشة صاحبتها آثار توازنية معاكسة في قطاعات أخرى. وبتعبير آخر، ازدهار قطاع يحدث فائض طلب، ومن ثم زيادة الأسعار النسبية للخدمات مقارنة بأسعار السلع القابلة لأن تستورد، وهذا يعني ارتفاع أسعار الصرف الحقيقية وارتفاع معدلات الربح في الخدمات. وهذا عامل رئيس في دفع المستثمرين إلى استثمار أموالهم فيما يصعب استيراده أكثر من استثمارها فيما لا يصعب استيراده. ينطبق ذلك على اليد العاملة. هذه اليد لا يصعب استيرادها إلى دول مجلس التعاون الخليجي حسب السياسات القائمة منذ عقود.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال