الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في المقالة السابقة تحدثنا عن النفط كمادة خام تباع عقودها الآجلة في الأسواق المالية العالمية، وأن هناك مؤشرات مرجعية لأسعار النفط، أهمها سعر نفط غرب تكساس المستخدم في تسعير العقود الآجلة في بورصة نيويورك ”نايمكس”. كما أوضحنا أن هناك عدة أسعار أو قيم تجب معرفتها، وذكرنا السعر الفوري والسعر الآجل، واليوم نتطرق لمسار الأسعار الآجلة ومقدار الربح والخسارة.
عودة إلى مثال شركة الطيران التي يشكل النفط تكلفة عالية في عملها، ونفرض أنها في أول العام قررت شراء 100 عقد آجل لمدة عام واحد بسعر 105 دولارات للعقد، بينما السعر الفوري لنفط غرب تكساس يتم تداوله وقت شراء العقود عند 100 دولار. هذا يعني أنه يمكن للشركة شراء 100 ألف برميل نفط في نهاية العام وستدفع 105 دولارات للبرميل الواحد. هنا ينشأ سؤال عن السبب في رغبة الشركة شراء البرميل بسعر 105 دولارات بينما هو يباع حالياً عند 100 دولار؟ الجواب ليس بديهي أبداً وهناك عدة اعتبارات وتفسيرات، منها أن الشراء الفوري يلزمه دفع كامل المبلغ، البالغ عشرة ملايين دولار، بينما شراء العقود الآجلة يكلف الشركة نحو مليون دولار فقط، عبارة عن تكلفة الالتزام بالعقد، ويسمى ”المارجن”. تلك المليون دولار ليست دفعة مقدمة، بل هي مجرد ضمان مالي لالتزام الشركة بدفع عشرة ملايين دولار عندما يحين موعد تنفيذ العقد بعد عام واحد. علاوة على ذلك، نجد أن الشراء الفوري يتطلب تخزين كمية كبيرة من النفط لدى الشركة أو في مكان آخر، الأمر الذي يكبد الشركة مزيدا من التكاليف. إذاً يبدو أنه طبيعي جداً أن تدفع الشركة 105 دولارات بعد عام أفضل من دفع 100 دولار الآن، لكن قبل أن يعتقد القارئ أن السبب واضح وبسيط، ليسأل نفسه كيف يفسر الحالة الأكثر شيوعاً وهي أن سعر النفط بعد عام يباع بسعر 96 دولارا، بينما السعر الفوري 100 دولار؟
تسمى الظاهرة التي يكون فيها السعر الآجل أقل من السعر الفوري بالمسار الهابط للعقد، ولها مسبباتها، ومنها أن منتجي النفط لديهم الاستعداد لبيع النفط في المستقبل بسعر أقل من السعر الحالي، ربما لعلمهم أن كمية العرض بعد عام ستكون كثيرة بشكل يصعب عليهم بيعه بأعلى من السعر الحالي، فيقومون ببيع عقود آجلة كثيرة، ما يخفض سعر هذه العقود في السوق. حالياً نجد أن سعر نفط غرب تكساس الفوري نحو 98 دولارا، بينما سعره بعد عام واحد يساوي 91 دولارا، وبعد عامين نحو 85 دولارا، وفي نهاية عام 2020 نحو 80 دولارا. من أسعار هذه العقود الآجلة، التي يتم تداولها بشكل كبير يومياً وتعتبر من أنشط عقود السلع في العالم ويتعامل بها عدد كبير من المستثمرين والمضاربين وشركات النفط وشركات كبرى عديدة، يبدو أن سعر النفط في طريقه إلى الانخفاض خلال هذا العام والسنوات المقبلة.
يختلف مسار أسعار العقود الآجلة، إن كان صاعداً أو هابطاً، حسب السلعة وحسب ظروف السلعة. بعض السلع تكون أسعارها المستقبلية عالية ربما بسبب توقعات نقص في الإنتاج أو بسبب حالة الطقس المتوقعة مستقبلاً، أو بسبب تكلفة الاحتفاظ بالسلعة ودفع تأمين عليها، إضافة إلى تكلفة العائد المالي نتيجة الدفع الفوري، ويتحدد السعر الآجل بعد أخذ جميع هذه المتغيرات في الاعتبار.
عودة إلى المستثمر العادي وكيفية الاستفادة من عقود النفط الآجلة. إذا كانت أسعار نهاية عام 2014 تباع بسعر 91 دولارا، فيمكن للشخص شراء هذه العقود أو بيعها حسب توقعاته الشخصية وقراءته لمستقبل أسعار النفط. على سبيل المثال، لو كان الشخص يعتقد أن أسعار النفط ستكون أعلى من 91 دولارا، يقوم بشراء العقود الآن على النحو التالي. أولاً يحدد عدد العقود التي يرغب في شرائها، ولتكن عشرة عقود، أي عشرة آلاف برميل تكلفتها لو أن الشخص قام بالفعل بشرائها بعد عام ستكون 910 آلاف دولار، غير أن ما يجب إيداعه في الحساب فوراً فقط 4 في المائة، أو نحو 36 ألف دولار، بحسب آخر أسعار ضمان الالتزام. على فرض أن سعر النفط ارتفع خلال الأسابيع القادمة إلى 110 دولارات، فمن المتوقع أن ترتفع عقود نهاية العام بعدة دولارات، وربما تصل إلى 100 دولار. بهذه الحالة يستطيع الشخص الاحتفاظ بالعقود لمدة أطول أو يقوم ببيعها ويحقق ربحا بمقدار تسعة دولارات للعقد، وبما أن لديه عشرة عقود تكون قيمة العقود 90 ألف دولار ” عشرة آلاف برميل ضرب تسعة دولارات”. إذاً نجد أن مبلغ 36 ألف دولار أصبح 90 ألف دولار، بربح مقداره 54 ألف دولار، أو نحو 150 في المائة، خلال عدة أسابيع في هذا المثال.
وطبيعي أن تزداد المخاطرة كلما زادت توقعات العائد، والمخاطرة هي أنه في حال انخفضت أسعار النفط وانخفض سعر العقد سيضطر الشخص لزيادة مبلغ الالتزام، نظراً لكون المبلغ الذي في رصيده حسب سعر العقود المملوكة لا يكفي لشراء العقود بمبلغ 910 آلاف دولار لاحقاً، فيتوجب عليه رفع مبلغ الالتزام بشكل مستمر، لكي يبقى دائماً على الأقل مساوياً للحد الأدنى المطلوب. وقد يحدث في حالة مواصلة سعر النفط في الهبوط أن يستمر الشخص بزيادة مبلغ الالتزام أو يقرر الخروج من العقد بخسارة.
بقي أن نقول إنه في حالة توقع الشخص لانخفاض أسعار النفط في نهاية العام المقبل، فيمكنه بيع العقود المذكورة بدلاً من شرائها، والطريقة واحدة غير أنه في هذه الحالة يتحقق الربح عندما تنخفض أسعار النفط. كما يمكن تداول عقود خيار خاصة بالنفط، بدلاً من شراء العقود نفسها، وتتميز هذه الآلية بأن مخاطرتها محسوبة مسبقاً وأرباحها ”وخسائرها” ممكن أن تكون أكبر بكثير من الأرباح والخسائر الناتجة عن تداول العقود ذاتها.
وفي الختام أشير إلى أن هناك طرقا للاستفادة من حركة النفط دون الحاجة للتعامل مع العقود الآجلة ولا عقود الخيار المبنية عليها، ويتم ذلك من خلال شراء أسهم صناديق متخصصة بالنفط تباع وتشترى تماماً مثل الأسهم، ولا تحتاج إلى حساب خاص بالعقود الآجلة. كما أن هناك صناديق متخصصة في البيع المُسبق للعقود الآجلة ”أو ما يسمى البيع على المكشوف” تمكّن الشخص من البيع المسبق للعقود بطريقة عادية، بحيث تكون العملية شراء عاديا للسهم، غير أن الأرباح تأتي بانخفاض أسعار النفط، لا بارتفاعها.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال