الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا حديث هناك في الأوساط المالية الأمريكية هذه الأيام إلا عن فقاعة الأسهم، بين مؤكدين لوقوعها في أي لحظة وبين مستبعدين لحدوثها على المدى المنظور. الحقيقة التي أمامنا هي أن مؤشر داو جونز يحقق كل يوم تقريباً مستويات في الأسعار لم يشهدها من قبل، متجاوزاً 16 ألف نقطة لأول مرة في تاريخ الأسواق المالية الأمريكية، ومثله كذلك مؤشر إس آند بي 500 الذي يغطي عدداً أكبر من الشركات. ما احتمالات انفجار فقاعة الأسهم الأمريكية وما تأثيرها علينا في أسواق الخليج؟
غريب جداً أن تصل المؤشرات الأمريكية إلى هذه المستويات في الأوقات التي يتفق كثير من الناس على أنها أسوأ المراحل الاقتصادية في تاريخ الولايات المتحدة، سواء من حيث الكارثة المالية عام 2008 وانفجار فقاعة القطاع العقاري وإفلاس عدد كبير من البنوك وبعض الشركات الكبرى، إلى ارتفاع مستوى البطالة وتضخم حجم الدين العام، وانتفاخ قائمة المركز المالي للبنك المركزي الأمريكي التي يقترب حجم أصولها إلى 4 تريليونات دولار بعد أن كانت أقل من تريليون دولار في عام 2008!
وعلى الرغم من ذلك نجد أن هناك عددا من المحللين والخبراء ممن لا يرى أي فقاعة ويستبعد حدوثها، مثل ألان جرينسبان رئيس البنك المركزي السابق الذي استبعد أخيراً وجود أي فقاعة، وتشاركه الرأي كذلك السيدة جانيت يلين، الرئيسة القادمة للبنك المركزي. فما السبب في عدم اقتناع البعض بوجود فقاعة في الأسهم الأمريكية؟ هل يكفي تصاعد الأسعار كدليل قاطع على وجود الفقاعة؟ بلا شك أن واحدة من أهم صفات الفقاعات تضخم الأسعار بشكل متسارع، ولكن لا نستطيع القول إن تضخم الأسعار يؤكد وجود الفقاعة. في الواقع أن الفائز بجائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام، البروفيسور يوجين فاما يرى أن الأسعار تعكس الواقع في كل الأوقات، وقد صرح عدة مرات بأنه لا يؤمن بالفقاعات ولا يعرف ما هي الفقاعات! ووجهة نظره هي أن ما نسميه فقاعة لا نعرف أنها فقاعة إلا بعد أن تنفجر، لذا من الصعب القول إن ما لدينا فقاعة قبل أن تكون بالفعل فقاعة.
من يقول إن هناك فقاعة يشير بشكل مقنع إلى ارتفاع الأسعار غير المسبوق في ظل ضعف اقتصادي واضح، بل إن جرينسبان نفسه يرى أن نسبة نمو الاقتصاد الأمريكي للعام القادم لن تتجاوز 2 في المائة، أقل بكثير من توقعات كثير من المحللين ممن يرى نسبة النمو تتجاوز 2.5 في المائة. كما أن توقعات نمو أرباح الشركات تتناقص مع مرور الوقت، حيث نجد أن ربحية السهم الواحد لشركات إس آند بي في هبوط مستمر منذ العام الماضي عندما تجاوزت 31 دولارا، وهي الآن قرب 28 دولارا. وصفة أخرى من صفات الفقاعات نجدها في الإفراط في التفاؤل، حيث تكثر التبريرات ويتجه كثير من الناس نحو الأسهم وهو ما نشاهده هذه الأيام في الأسواق الأمريكية. أضف إلى ذلك أن هناك حالات بيع واسعة من قبل كبار المسؤولين في الشركات، ممن لهم معرفة داخلية بأوضاع الشركات، وهو الأمر الذي يؤخذ كمؤشر سلبي لمستقبل الأسعار. والأهم من ذلك ضعف المؤشرات التي تقيس ثقة المستهلكين بالاقتصاد، وهي أهم من دراسة سلوك المستثمرين أو المضاربين، كونها تصب في الحركة الاقتصادية مباشرة، وتشير إلى تراجع مستمر في مشتريات المستهلكين.
في الحقيقة أن المؤشرات السلبية كثيرة، غير أن هناك نقطة مهمة ربما تفسر بشكل كبير سبب ارتفاع أسعار الأسهم، وهي الطباعة المستمرة للدولار من قبل البنك المركزي، حيث تستمر طباعة 85 مليار دولار شهرياً، عبارة عن 40 مليار دولار لسداد مديونيات مؤسسات الرهن العقاري و45 مليار دولار شهرياً لشراء السندات الحكومية، ما يعني أن السيولة النقدية في ازدياد متواصل. هذا بالتالي يعني أن جزءاً كبيراً من ارتفاع الأسعار سببه ضعف الدولار، فيكون من الطبيعي أن ترتفع أسعار الأصول لتعوض فقدان قيمتها المسعرة بالدولار. وطالما أن طباعة الدولار مستمرة فقد تستمر هذه الفقاعة في الانتفاخ لفترة طويلة. ولا ننسى أن هناك أموالا بدأت تهرب من السندات والذهب إلى الأسهم بسبب ضعف عوائد السندات، التي قد تتدهور أسعارها بشكل كبير متى ما ظهرت هناك بوادر ارتفاع في أسعار الفائدة. وأخيراً هناك الحجم الكبير لشراء الأسهم بقروض بنكية، حيث تجاوز الشراء بالاقتراض مبلغ 400 مليار دولار في بورصة نيويورك وحدها، وهو أعلى مما كان عليه حجم الاقتراض قبل وقوع الأزمة المالية في عام 2008!
إن أحد أسباب انهيار الأسهم الأمريكية في عام 1929 وكذلك عام 1987 يعود إلى شراء الأسهم عن طريق الاقتراض، وهنا أشير إلى أن أحد أسباب عدم تضخم أسعار الأسهم في المملكة يعود إلى الغياب شبه التام لتمويل الأسهم عن طريق الاقتراض، نتيجة لتعليمات مؤسسة النقد بهذا الخصوص. لذا فإن تأثير الفقاعة الأمريكية المنتظرة في الأسهم السعودية قد يكون محدوداً جداً لن يتجاوز بعض التأثيرات النفسية، والسبب يعود إلى اختلاف الوضع الاقتصادي بين الدولتين من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم وجود تضخم في أسعار الأسهم السعودية، التي أرجح أن أحد أهم أسبابها اختفاء ظاهرة الشراء بالاقتراض، وأنا هنا أتحدث عن الاقتراض برهن الأسهم وليس الشراء بالاقتراض من خلال التمويل الشخصي أو غيره.
أخيراً هناك من يشير إلى تواضع مكررات الربحية في الأسواق الأمريكية ويتخذها كدليل على عدم وجود فقاعة، حيث نجد أن مكرر الربحية الحالي لشركات إس آند بي 500 بحدود 16 مرة، ما يعني عدم وجود تضخم حقيقي في الأسعار مقارنة بربحية الشركات. وهذا صحيح، غير أن ربحية الشركات الحالية سببها الرئيسي تقليص التكاليف وخفض عدد الموظفين، وليس نتيجة نمو حقيقي في أعمال الشركات. لذا هناك من ينظر إلى أسعار الأسهم مقارنة بحجم المبيعات بدلاً من ربحية السهم، ومنه يتبين وجود ضعف في نمو المبيعات مقارنة بأسعار الأسهم. كذلك هناك مؤشر قام بتطويره البروفيسور روبرت شيلر – الفائز بجائزة نوبل للاقتصاد هذا العام مع اثنين آخرين – وهو يقيس مكرر الربحية بأخذ أرباح الشركات لمدة 10 سنوات وتعديلها من أثر التضخم. هذا المقياس يشير إلى أن مكرر الربحية الحالي يقف عند نحو 25 مرة، ويعتبر مرتفعاً بنسبة 50 في المائة عن المتوسط. وعلى الرغم من ذلك، فإن روبرت شيلر نفسه لا يرى فقاعة في الأفق، وهو الشخص الذي تنبأ بعدد من الفقاعات ومؤلف كتاب الابتهاج غير العقلاني.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال