الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كوريا الجنوبية مثالٌ زاخرٌ بالإلهام، وتجربةٌ جديرةٌ بالاحترام، فقد أمضت عقودًا تحت الاستعمار، وعانت كثيرًا من الحروب، والفقر، والجهل؛ ولكنها تجاسرت على آلامها، وتحاملت على جراحها؛ لتخرج من بين الركام، كتجربة مدهشةٍ، وأنموذج مبهر للعالم أجمع، فهي ذات مستوى معيشيٍّ عالٍ جدًا، وهي رابع أكبر اقتصادٍ في آسيا، وقد دخلت “نادي التريليون دولار العالمي”، وسُجلت من أفضل دول العشرين الكبار، وتفوقت على الدول المتقدمة في مؤشر تنمية الانسان، وتطورت بشكلٍ مذهلٍ في قطاع التقنية، والابتكار؛ ليس هذا فحسب بل إن مؤشرات نموها المستقبلي، تتجاوز كثيرًا من الدول العظمى.
ولقد أرجع الاقتصاديون هذه الطفرة الاقتصادية، إلى جودة منظومة التعليم، والتي بنيت على أساس من الثقافة المجتمعية، التي تقدس التعليم، وتقدره، كأساسٍ للحياة، ومنهجٍ للعيش الكريم، وقوةٍ نوعيةٍ للمنافسة، وأن الإنسان الكوري المورد الوحيد، والثروة المستدامة، وعليه يقوم البناء الاجتماعي، والمعرفي، والاقتصادي، والتنموي…
ومن مظاهرهذا الاهتمام أن الأب الكوري ينفق ما يزيد عن 50% من دخله لتعليم ابنائه، والطالب يعود يوميًا إلى مدرسته طوعًا خارج وقت الدوام الرسمي للتقوية، واكتساب المهارات، وتنمية الذات؛ وقد يستمر في مدرسته إلى منتصف الليل.
ويكمن سر التفرد، وجوهر التميز، بصورة رئيسة بالمعلم، حيث تُعتبر مهنة التعليم محصورةً لأفضل 10% من الخريجين، ويخضع المتقدم إلى تمحيصٍ، وتدقيق عبر سلسلة من الاختبارات، والمقابلات الصارمة، للحصول على “رخصة التعليم” وخلال الخدمة يحظى المعلم في كوريا بتطويرٍ مستمرٍ، وتدريبٍ فعال، يضمن استمرار الجودة، ومشاركة المعلم في هذه البرامج مرتبطة بشكل مباشر بتطوير وضعه المالي، ودرجته في السلم الوظيفي، ويتمتع المعلم بمزايا اجتماعيةٍ، وماليةٍ عالية، وهو محل تقديرٍ، واحترامٍ شعبيٍ، وحكوميٍ، فعليه تُخلع الألقاب الرسمية المحفزة، وله دور نشط في الشؤون السياسية للبلاد، وهو مُمَثلٌ بنقابةٍ فاعلةٍ معبرةٍ عنه أمام الشعب، والحكومة؛ إلى غيرها من الميزات والاستحقاقات.
هذا باختصارٍ سر التجربة الكورية الفريدة، فهل نستلهم منها العبر؟ ونعبر على جسورها، ونقتبس من أنوارها، لا سِيَّما وتعليمنا يرزح تحت وطأة العديد من المشاكل التنظيمية، والبشرية، والمنهجية، والتي انعكست سلبًا على تنمية، وإنتاج الوطن، وفكر، وسلوك المواطن لعقود؛ فما أحوجنا لكسر كل القوالب التقليدية الجامدة (تعليميًا وتربويًا) والانطلاق نحو الريادة، والعالم الأول؛ وكلنا أمل في وزيرنا الجديد، أن يلملم شتات التربية، ويرتق فتوق التعليم، “فرب همَّةٍ أحيت أُمة”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال