الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صرح المهندس عبدالله بن عبدالرحمن الحصين وزير المياه والكهرباء عقب حضوره حفل اطلاق مشروع أطلس مصادر الطاقة المتجددة والذي أعلنت عنه مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة يوم الإربعاء 15 صفر 1435هـ الموافق 18 ديسمبر 2013م أن الوزارة تعطف حاليا على دراسة تقييم المياه الجوفية في الربع الخالي، وذكر أن الدراسه ستنتهي بعد عام من الآن حيث تم ترسيتها على إحدى الشركات المتخصصة ، فهل يساعد ذلك على تخفيض الإستهلاك المحلي من النفط ولاسيما والمؤسسة العامة للتحلية تستهلك قرابة 300 ألف برميل من النفط المكافئ يوميا، وهل يعيد ذلك إحياء الأمل في تغطية إنتاجنا الزراعي لجزء من أمننا الغذائي؟!
يأتي هذا التصريح بعد أكثر من 12 عاماً من تصريح الدكتور فاروق الباز ان صحراء الربع الخالي تتربع على بحر هائل من الماء العذب وبعد أن تم التشكيك بمصداقية ذلك من قبل الكثيرين وخصوصاً المعنيين بقطاع المياه في المملكه، كما يأتي هذا التصريح أيضاً بعد 12 عاماً من تصريح وزير الزراعة والمياه السابق الدكتور عبدالله بن معمر في العام 2002م قبل فصل المياه عن وزارة الزراعة بأنه كان يجري استكمال الدراسات التفصيلية والمسوحات النهائية للمياه التي تقع تحت رمال الربع الخالي وأشار آنذاك إلى أن الدراسات التفصيلية ستحدد نوعية المياه في جميع أطراف الربع الخالي في السعودية، وقال ابن معمر آنذاك إن مواقع المياه الموجودة في شرق الربع الخالي والقريبة من منطقة حرض ويبرين ثبت أنها مياه عذبة صالحة للاستخدام الآدمي مشيراً إلى أنها تعد من أنقى المياه العذبة في العالم.
ولقد بين الدكتور ابن معمر في ذلك الوقت أن وزارته تملك معلومات سابقة لما نشر عن بحيرة المياه العذبة التي تقبع تحت رمال الربع الخالي وأنه في ضوء تلك المعلومات قامت الوزارة بحفر ستة آبار اختبارية في الربع الخالي وأنها أثبتت وجود مياه كبيرة ومخزون هائل تحت رمال الربع الخالي يمكن الاستفادة منه طبقاً لنوعية تلك المياه التي تم تحديدها في تلك المواقع وطبقاً لعامل المسافة والبعد لجلبها إلى المدن التي يمكن أن تستفيد منها سواء كان ذلك كمياه للشرب أو لأغراض الزراعة. وكشف الدكتور ابن معمر وقتها عن تنفيذ مشروع كبير لإمداد مدينة الرياض بالمياه من شرق الربع الخالي عبر حقل الديسي مشيراً إلى أن المشروع سينتج 350 ألف متر مكعب يومياً من المياه وسيكون جاهزاً للتشغيل خلال 3 سنوات من ذلك التاريخ (أي أنه كان سيكون جاهزاً في العام 2005م).فماذا تم بشأنه وهل فصل المياه في وزاره مستقلة تسبب في تأجيل هذا المشروع المهم طيلة تلك الفترة؟!
إنه من المعروف أن المياه في المملكة العربية السعودية بحكم ظروفها البيئية والمناخية القاحلة تعتبر أحد أهم الركائز الأساسية في عمليات التنمية، وتعد ندرة مصادر المياه في المملكة حالياً من أهم التحديات التي تواجه التنمية الاقتصادية والاجتماعيه ، والمعروف أيضاً أنه يوجد بالمملكة أكثر من 18 طبقة مائية (رئيسية وثانوية) لها أجزاء غير محصورة وأجزاء محصورة ويقدر المخزون المائي المؤكد في المملكة بحوالي 500 مليار متر مكعب. ويقدر (فيما يُذكر) اسـتهلاك القطاع الزراعي من المياه عام بحوالي 20 مليار متر مكعب، منها حوالي 13 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العميقة غـير القابلة للتجديد والبقية يُذكر أنها مياه متجددة.
وهذا يستدعي أن يتم تكثيف البحث والدراسات الخاصة بالفرضيات العلمية التي تتناول هذا الموضوع المهم مثل التي سبق وأن صرح بها الدكتور فاروق الباز الذي ذكر أنه من خلال إبحاثه في ناسا ودراسة الصور الجوية قد وجد أن المملكة تسبح على بحار من الماء بسبب إن حبيبات الرمل لا تتكون إلا بسبب تدفقات مائية، وعليه فالربع الخالي وأي تجمع رملي في مكان منخفض يسبح تحت مخازن مائية ضخمة بحجم ضخامة كمية الرمال .
وذكر الدكتور الباز إن الفكر الجيولوجي العتيق يقول إن حبة الرمل أتت مع الهواء باصطدام الصخور، وهذا الاصطدام ينتج عنه حزم دوارة وهذا هو تعريف الرمل التقليدي، لكنه يتحدى صحة هذه الفرضية ويقول إن نشوء الرمل ليس له علاقة إطلاقاً بالهواء، فالرمال تولدت من الماء وليس من الهواء وتكونت في باطن الأنهار، فعندما تنزل الأمطار على الجبال يكون هناك احتكاك بين الصخور الموجودة في الجبال وتمر منها المياه بين الشقوق والصخور وحينها تتفتت وتنشئ الرمل الذي يوجد في منخفضات المياه، وكلما تضخمت كمية الرمال فهذا يعني كثافة كمية المياه التي كونتها، التي لا يعقل أنها تبخرت كلها، بل تبخر بعضها وتسرب غالبها إلى طبقات الأرض الجوفية. والحالة هذه تنطبق بحذافيرها على ”نهر شمر” (كما يسميه الدكتور الباز) الذي يصب في غرب الكويت وعلى الربع الخالي الذي اكتشف فيه بعض الأحافير والشواهد التي تدل على حياة مائية كانت قائمة.
كما أن الحياة المائية وبحيرات الربع الخالي كان موضوع شهادة الدكتوراة للجيولوجي الدكتور هال ماك كلر، من جامعة لندن عام 1984، الذي يرجح أن منطقة الربع الخالي كانت تتعرض لأعاصير ممطرة كالتي تتعرض لها الهند وبنجلادش حاليا، وكانت تستمر فترات طويلة مكنت من نشأة بحيرات على فترات طويلة من الزمن.
ومن جهة أخرى فقد أكدت دراسة جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وأعلنت نتائجها بحضور الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – إلى أن المملكة تسبح على مياه تساوي كمياتها 500 سنة من جريان نهر النيل وهي تصب في نفس مسار فرضية الدكتور الباز ، فماذا عمل بها ، وهل تم التحقق منها ومدى صحتها؟.
ولعل من المهم في هذا السياق الإشاره إلى أن هيئة المساحة الجيولوجية السعودية قد أصدرت أول دليل توثيقي من نوعه لصحراء الربع الخالي بعنوان (الربع الخالي.. بحر الرمال العظيم) ليكون مرجعاً دقيقاً يعرف بصحراء الربع الخالي التي تعد أكبر صحراء رملية متصلة بالعالم بمساحة 550 ألف كيلومتر مربع والتي تغطي نسبة 22 بالمائة من مساحة المملكة.
وذكرت إن الربع الخالي يمثل حوضاً رسوبياً تحيط به المرتفعات من معظم الاتجاهات مما انعكس على انحدار كثير من مجاري المياه باتجاهه مؤديةً ثروة مائية كبيرة تحت رماله بدليل الانتشار الكثيف للآبار اليدوية بأنواعها إلى جانب مصائد المياه المنتشرة هناك. وتحدث مؤلفا الكتاب محمد أحمد الراشد وعبد الله صالح العنيزان عن حقيقة المياه الموجودة في باطن الصحراء المقفرة في ظاهرها والتي كانت مثار جدل ونقاش وبحث كثير من المهتمين، حيث أكد الراشد والعنيزان أن باطن الربع الخالي يحوي ثروة مائية كبيرة تنتشر في أنحائه آبار ارتوازية عميقة والتي تعرف بالقلمات والتي قامت شركة أرامكو بحفرها خلال عملية المسح والتنقيب عن البترول.
إن التمعن في كل ماذكر وربطه بالشواهد والمعلومات المستقاة من المزارعين المجاورين للكثبان الرمليه وبالذات في حرض ويبرين وقراءة بيانات الآبار الموجوده بها على مدى العشرين سنه الماضيه وعدم إنخفاض منسوب المياه فيها يقوي حجة فرضيه الباز ، وبالتالي فهي تستحق البحث المعمق حتى يصل المسئولين إلى تصور واضح ودقيق عن وضع المياه في المملكه بدلاً من الإستشهاد بنضوب مياه بعض العيون أو المياه في بعض مناطق المملكه والتي يتفق الجميع على فقرها مائياً.
وقبل هذا كله فإن تلك الفرضيه يؤكدها حديث رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً” حديث صحيح رواه مسلم ، قال ابن منظور في لسان العرب أن المَرْجُ هو أرضٌ ذات كلأ ترعى فيها الدواب، وفي التهذيب أرض واسعة فيها نبت كثير تمرُجُ فيها الدواب، والجمع مروج وهذا دليل لايقبل الشك في وفرة المياه في السابق.
كما يذكر علماء الجيولوجيا أنه قد مرّ على الأرض منذ عشرة آلاف سنة عصر جليديّ بدأ رحلته من القطب الشمالي ووصل إلى الجزيرة العربية فحوّلها إلى أنهار وبساتين. وكان اكتشاف قرية الفاو في الربع الخالي بشبه الجزيرة العربية حيث كانت مدفونة تحت جبال من الرمال إعتبر دليلاً على وجود حياة سابقة في تلك الصحارى.
لقد أحسنت جامعة الملك سعود بإستحداث كرسي بحث استكشاف الموارد المائية في الربع الخالي منذ عدة سنوات ونتمني على القطاعات المعنيه دعمه وتمويله فهو أحد آمال المخلصين على مستقبل الوطن!!
الملفت للنظر أنه عندما رفعت التوصيه بإيقاف شراء القمح المحلي من قبل المختصين في الجهات المعنيه بأمر المياه آنذاك كان معروفاً للجميع بأن القرار لن يؤدي إلى تخفيض الأستهلاك المائي بل سيزيده ، وهو ما سبق وأن ذكره الدكتور علي الطخيس وكيل وزارة المياه سابقاً وعضو مجلس الشورى حالياً قبل أكثر من 11 سنه وقبل مده طويله من إتخاذ قرار إيقاف شراء الحكومه للقمح تمهيداً لإيقاف زراعته ففي مقابلة صحفية لسعادته مع جريدة الرياض بتاريخ 20 ذو القعدة 1423العدد 12634 بعد منع تصدير القمح والأعلاف حيث سأله المحرر بقوله “لاحظت حكومتنا الرشيدة استنزاف المياه من خلال زراعة بعض المحاصيل، وللحد من هذا الاستنزاف عملت على الحد من زراعة بعض المحاصيل المستهلكة للمياه كالقمح والأعلاف عن طريق منع تصديرها للخارج، هل نتج عن ذلك ارتفاع في مستوى المياه؟”
ورد الدكتور الطخيس مانصه بأنه ” ما تم اتخاذه من اجراءات حيال الحد من زراعة بعض المحاصيل المستهلكة للمياه كالقمح والأعلاف عن طريق منع تصديرها لم يكن له تأثير كبير لأن من كان ينتج القمح قبل الحد من زراعته لجأ إلى زراعة الأعلاف وهذا أسوأ بكثير على مخزون المياه الجوفية لأن استهلاك الأعلاف من المياه يفوق استهلاك القمح بنحو ستة أضعاف، لأن الأعلاف تزرع على مدار العام ويتم ريها باستمرار”. وهذا ماحصل عند إيقاف التصدير وحصل إيضاً بعد تقليص إستلام القمح المحلي تدريجياً تمهيداً لإيقافه بشكل أكبر ، وبالتالي فقد فرطنا في سلعه مهمه للأمن الغذائي وفرطنا في مصدر رزق للآلاف من المواطنين وفرطنا في خبره تراكمت عبر عشرات السنين كما تحولت معدات دعمتها الدوله بالمليارات إلى خرده ولم نحصل على تخفيض إستهلاك المياه.
إننا بحاجة ماسة للكشف عن حقيقة مخزونات المياه في المملكة العربية السعودية وعن الإستراتيجيه المائيه وربطها بالإستراتيجية الزراعية وتخفيض إستهلاك النفط محلياً حتى يتم التوفيق بين متطلبات أمن الأجيال الحالية وأجيال المستقبل ولنقترب أكثر من التنمية المستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال