الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
طريقة بونزي هي عبارة عن أسلوب مالي للاحتيال على الناس، تمارس في كثير من الدول، وتلقى نجاحاً كبيراً لدى فئات معينة من الناس، أولئك الذين يبحثون عن الثراء السريع دون جهد كبير أو عناء، ويقع فيها أصناف عديدة من الناس، منهم المتعلم والصغير والكبير، رجالاً ونساء. فما هي طريقة بونزي؟ وهل تمارس لدينا في المملكة؟ والأهم من ذلك، هل تقوم الجهات المعنية، كوزارة التجارة والصناعة وهيئة السوق المالية والغرف التجارية، بدورها في توعية الناس ومراقبة العمليات ذات الطابع البونزوي؟
تعود تسمية الطريقة بهذا الاسم إلى تشارلز بونزي، الذي مارس هذا الأسلوب في عام 1920 في الولايات المتحدة بشكل واسع، واستطاع أن يوقع عشرات الآلاف من الأفراد في شباك جريمته، فاستحق هذه التسمية بجدارة. فكرته لم تكن فريدة من نوعها، بل كانت معروفة منذ القدم، غير أنه نجح في جذب الناس إليها بشكل غير مسبوق، حيث استطاع في بداية الأمر تحقيق عوائد مالية جيدة من خلال المتاجرة بقسائم تستخدم في المتاجرة بالطوابع، عندما كانت الطوابع البريدية تحظى بمكانة مهمة لدى الناس، والتي من الممكن تشبيهها بالمساهمات الشهيرة في بطاقات “سوا”، التي راح ضحيتها كثير من الأفراد هنا في المملكة. غير أن تشارلز بونزي لم يستطع مواصلة تحقيق العوائد العالية التي وعد بها المستثمرين، الأمر الذي قاده إلى سلك أساليب النصب والاحتيال للاستمرار في تقديم خدماته. هنا تجدر الإشارة إلى أن كثيرا من عمليات النصب والاحتيال لا تنشأ لهذا الهدف بعينه، بل إنها غالباً تكون مبنية على تجارة معينة، غالباً عالية المخاطرة، ومن ثم تتدهور أوضاعها المالية بشكل حاد، فيلجأ صاحبها إلى مختلف الأساليب في محاولة لتعديل أوضاعه، ولا يخلو ذلك من بعض من المكابرة والاعتزاز بالنفس، إلا أن جميع الطرق تقفل في وجه الشخص فيلجأ إلى الاحتيال.
الحل الذي ينتهجه الشخص المتورط في عملية استثمارية فاشلة يتمثل في قيامه بدفع مستحقات القدامى من المستثمرين من خلال أموال المستثمرين الجدد، وهذه العملية ترضي المستثمرين القدامى وفي الوقت نفسه تجذب مزيداً من المستثمرين الجدد، وبالتالي يستمر في مزاولة تجارته على أمل أن يحالفه الحظ وتتغير أوضاعه المالية. من درَس هذه الطريقة وجد أنها تنجح لعدة أسباب، أولها أنها تعدُ المستثمر بتحقيق عائد كبير بتاريخ محدد، الأمر الذي يغري كثيرا من الناس، خصوصاً عندما يرون غيرهم يحقق العوائد الموعودة، بل إنه في كثير من الأحيان يقوم المحتال بطرح خيار أمام المستثمر عند انقضاء المدة مفاده أن من المكن للشخص أخذ العائد وسحب أمواله أو تركها تنمو بشكل أكبر. وفي الغالب يحبذ معظم المستثمرين ترك أموالهم تنمو، كيف لا وهي تنمو بشكل كبير في فترة قصيرة! بل إن نسبة كبيرة من المستثمرين يقومون “بزيادة” رأس المال لتحقيق ربح أكبر وأكبر.
وبالطبع ليس كل شخص قادر على إقناع الناس بالدخول معه في استثماراته، حيث إن العملية تتطلب جانباً من المصداقية لدى صاحب الفرصة الاستثمارية، والتي قد تعود لخبرته في مجال معين أو لسمعته الكبيرة أو بسبب دعايات متقنة قام بها. في الواقع إن أكبر عملية بونزي تمت في تاريخ الولايات المتحدة كانت من قبل برنارد مادوف، الذي عمل كوسيط أسهم مرموق ورئيساً غير تنفيذي لبورصة نازداك الأمريكية، حيث أهدر أكثر من 60 مليار دولار في استثمارات فاشلة، حاول جاهداً تعديل مسارها، إلا أنه لم ينجح، وفي نهاية الأمر لجأ لأسلوب بونزي، وأخيراً أخبر عنه أبناؤه وأودع السجن في محكومية مدتها 150 عاماً.
إذاً طريقة بونزي تتمثل في إقناع عدد قليل من الناس للدخول في استثمارات يديرها شخص متمكن وتحقق عوائد خيالية. عندما لا تنجح الطريقة كما هو متوقع، وهو الشيء المؤكد بسبب ضخامة المخاطرة، يستمر المحتال بتحقيق وعوده على حساب المستثمرين الجدد، وتستمر العملية إلى أن يتلاشى عدد المستثمرين الجدد. عندها يحاول المحتال جذب مستثمرين جدد وعندما لا يستطيع يضطر إلى المماطلة في دفع العوائد، ما يوقع الخوف في جموع المستثمرين، وفجأة يجد أمامه عدداً من المستثمرين الذين لا يستطيع دفع عوائدهم، وتصبح العملية شبيهة بظاهرة السحب المفاجئ والكبير للودائع من المصارف.
أعلم شخصياً عن عدة حالات لطريقة بونزي تمت هنا في المملكة، وهناك من يقول إن سوق الأسهم ككل في الأعوام 2003 إلى 2006 كانت عبارة عن عملية بونزي على المستوى الوطني!. في حالة الأسهم، كان قدامى المستثمرين يحققون عوائدهم العالية من المستثمرين الجدد، وكل مستثمر قديم يربح من الذي بعده، إلى أن تدافع مئات الآلاف من الناس لسحب أموالهم، فحدث الانهيار الكبير. غير أنني أعتقد أن على الجهات المسؤولة دور كبير في مراقبة الحالات المحتملة لمخططات البونزي، حيث من السهولة ملاحظة حجم التدفقات النقدية في حساب المستثمر المحتال، وبالتالي مساءلته عن طبيعة الأموال ومصادرها، وهي ليست عملية صعبة لا سيما في ظل الجهود الكبيرة والطرق الاستقصائية التي تقوم بها المصارف في مجال غسل الأموال. هناك نساء ورجال كثيرون وقعوا ضحية لطريقة بونزي، أعلم عن حالة قائمة حالياً، جمع المحتال فيها مبالغ تجاوزت 200 مليون ريال، وهو حالياً في السجن، ولكن بعد فوات الأوان.
لا أطالب بوصاية على الناس وأموالهم، غير أنه لا يمكن تجاهل الواقع الذي يشير إلى ضعف الثقافة الاستثمارية لدينا، كيف لا ونحن لا نجد مادة في الاقتصاد تدرس في مدارسنا إطلاقاً، ولا يوجد هناك دروس عن كيفية الاستثمار وتحديد درجات المخاطرة، والتمييز بين العائد المعقول والعائد غير المعقول. ترد إلي أحياناً استفسارات عن استثمارات ينوي شخص الدخول فيها، وأفاجأ من اقتناع الشخص أن العائد 20 في المائة أو أكثر بشكل مضمون، وهو بذلك لا يفرق بين المضمون والمحتمل، ولا يدرك مدى إمكانية خسارة كامل رأس المال نتيجة احتيال أو عدم مقدرة على تحقيق العائد.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال