الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
المركزية في تعليمنا ولدت ونمت مع ظروف التأسيس، وكانت ذات جدوى كبيرة؛ نظرا لصغر الوزارة، وقلة الخبرة، ولأن التعليم في ذاك الزمن مجرد خدمة من الخدمات المقدمة للمواطنين؛ أما الآن وفي ظل العولمة، فقد تغيرت الرؤية تجاهه، وأضحى رهاناً للمستقبل، وبذرة للمجتمعات الناهضة، واستثمارا آمنا طويل المدى، ولعل مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، ورؤيته للمجتمع المعرفي، تؤكد هذا التغير الاستراتيجي.
ولكن الملاحظ أن المركزية لا تزال متجذرة في قلب كل المحاولات الإصلاحية، فلا تزال مدارسنا برغم ما أسند لها من صلاحيات مقتضبة، تدور في فلك ضيق من الروتين، والثبات، والبيروقراطية، بعيدا عن الحرية، والإبداع، والتنافس، ولا يزال نظامنا التعليمي، لا يحرك ساكنا، ولا يفرق بين الظروف المختلفة في أنماط الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، في هذا البلد المترامي الأطراف؛ ومن هنا برزت ضرورة إصلاح فكر المؤسسة، وجذور المشكلة؛ قبل البدء في تطوير العمل، والارتقاء بالتعليم.
دعونا نأخذ مقتطفات دلالية من منظومة فنلندا التعليمية، فائقة الأداء، ذائعة الصيت؛ إن للمدارس هناك هامش واسع من الحرية في إدارة أمورها، حيث أن لمدير المدرسة بالتعاون مع مجلس المدرسة، دور مباشر في التخطيط التربوي الخاص، وتوزيع الميزانيات، واختيار موضوعات المواد الدراسية، وطرق تدريسها؛ ومدير المدرسة الفنلندي، لديه ميزانية ضخمة قدرها أربعة ملايين يورو، منها 2,1 مليون رواتب العاملين، وبقية المبلغ يمكنه التصرف فيه بدون تعقيدات إدارية، فيقوم بتعاقدات الصيانة، وشراء التجهيزات الإضافية؛ والمدهش أن للمدير صلاحية تمويل برامج العلاقات الدولية، الذي يتضمن تبادل الزيارات، والخبرات في مختلف دول الاتحاد الأوروبي، وخارجه، ويتاح له افتتاح فرع في مدرسته، للطلاب الراغبين في الحصول على “البكالوريا الدولية”؛ ويستطيع المدير أن يعين أخصائيين اجتماعيين متفرغين، لتذليل الصعاب أمام طلابه، وحل مشاكلهم…
الأمر المثير الآخر؛ أنه بسبب تأسيسهم مستوى عال من الاحترافية في التدريس، أصبحوا يثقون بالمعلمين، وأصبح شعارهم “الثقة من خلال الاحترافية”؛ وقد حددوا الاحترافية في مهنة التدريس على أنها: العمل الجماعي والتعاوني…
إن تعليمنا في هذا الميزان، يحتاج إلى اتخاذ قرارات جريئة، وصعبة، لا تكتفي بهز الأغصان، وتساقط الأوراق، بل باقتلاع الجذور العميقة، ولن يكون تعليمنا كما نريد، ونطمح، إلا باعتمادنا على مبادئ الإدارة العصرية، وبمعالجات حقيقة تداوي السبب وليس العرض.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال