الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن فقد الجميع الأمل في كل المحاولات لاستخراج جثة الطفلة لمى الروقي, توجهت الأنظار إلى حلال المشاكل الذي لجأنا إليه دوماً للتعامل مع القضايا المستعصية. إنها شركة أرامكو السعودية التي حققت نجاحات لا يمكن مقارنتها بما تنجزه القطاعات المتخصصة في الدولة. إنجازات في مجالات التعليم العالي وتخطيط المدن وإنشاء الشركات وحماية البنية التحتية وبناء المنشآت باختلاف أغراضها.
صنعت “أرامكو” ثورة تاريخية في المملكة بعد اكتشاف ذلك المارد الأسود الذي ظهر في صحراء هذه البلاد، حيث تزاوجت الإدارة الأمريكية والهمة السعودية لتكوين مفاهيم جديدة غيرت أسلوب حياة الناس. أدخلت “أرامكو” في حياة الناس مفاهيم الانضباط والدقة والجودة والعدالة والإنتاج.
فطن الملك عبد العزيز – رحمه الله – لتلك الميزة الفريدة, فاستغلها لدفع عجلة النمو في وقت لم تكن لدى الدولة قدرة على تخطيط وتنفيذ مشاريع تنموية كبيرة. ظهرت مشاريع مثل مشروع الري والصرف وتخطيط مدن المنطقة الشرقية, ولما أثبتت الإدارة الأمريكية كفاءتها وإنجازها الفريد, أصبحت “أرامكو” مصدر المشاريع الكبرى بناء على حاجة الوطن أو حاجة الشركة نفسها.
ظهرت مشاريع المدارس التي بنتها “أرامكو” وما زالت متميزة رغم أنها بنيت منذ سنين طويلة. خرجت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من رحم “أرامكو” وكذلك شركة كهرباء الشرقية. توقف دور “أرامكو” التنموي بسبب الاعتقاد الذي ساد أن الوزارات أصبحت مؤهلة لتنفيذ المشاريع الكبيرة, وتراجع الدور التنموي للشركة لفترة غير قصيرة.
عاد دور “أرامكو” التنموي عندما تأسست الشركة السعودية للصناعات الأساسية “سابك” كواحدة من بنات “أرامكو”, رغم محاولتها التمرد على مفاهيم الأم، وهو أمر لم يكن في مصلحتها, وبدأت الدولة في العودة إلى “أرامكو” عندما واجهت الحاجة إلى مشاريع عملاقة أو التعامل مع صعوبات لم يكن هناك من استحق ثقة إدارتها.
جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا وحل مشكلة سيول جدة كانتا حالتين تولتهما “أرامكو” بكفاءة أعلى من قدرة القطاع العام, وهذا أمر مؤسف, لكنه واقع. بعد سنوات طويلة من التأهيل والتطوير والابتعاث, تكرست علامات انخفاض الكفاءة, ولعل الكل يعرف كيف انخفضت كفاءة الأداء في مؤسسات الدولة تدريجياً من تسعينيات القرن الماضي.
الجميل في مشاريع “أرامكو” الأساسية أنها كانت تدار بمفهوم BOT البناء والإدارة ثم الإعادة. نفذت “أرامكو” المشاريع وأدارتها وضمنت كفاءة البنية البشرية داخلها, ثم تركتها لتعيش على المفاهيم الإدارية التي غرستها داخل قلوب وعقول مديريها وموظفيها. تعتبر جامعة الملك فهد اليوم أفضل الجامعات السعودية دون منازع, كما تعتبر شركة كهرباء الشرقية أفضل الشركات كفاءة كما يعلم كل موظفو الكهرباء.
تغير المفهوم في مشروع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية التي لا تزال تدار من قبل طاقم الشركة. لعل هذا هو سبب السمعة التي انتشرت حول أداء الجامعة. نعرف أن “أرامكو” اليوم ليست “أرامكو” الأمس, لكن هذا لا يعني أن تستمر الشركة في إدارة المرافق بهذا الشكل إلى ما لا نهاية.
جاء القرار بتسليم منشأة ستاد الملك عبد الله في جدة للشركة منذ بداية تأسيسه ليعزز مفهوم الثقة بقدرة “أرامكو” على إدارة المشاريع, ونتيجة انعدام الثقة ستستمر “أرامكو” في إدارة المنشأة بعد افتتاحها, ولست أعارض هذه الفكرة نظراً للمشاكل التي تعانيها منشآت الرئاسة الأخرى. لكن المطلوب الآن هو وضع خطة متوسطة الأجل لتحويل هذه المنشأة للدولة بعد ترسيخ مفاهيم الإدارة السليمة في مكوناتها البشرية.
يمكن أن تكون هذه بداية للعودة لمفهوم التنفيذ والتشغيل والإعادة مرة أخرى. بهذه الطريقة نضمن أن تقوم الشركة بنشاطات معينة, وتبقى قادرة على التركيز بدل التشتت الذي يسببه استمرار إدارتها لمنشآت كثيرة وغير مترابطة. هذا التوجه يمكن أن تتبناه وزارات أخرى ما دامت القناعة أن الأزمة التي يعانيها القطاع العام هي إدارية في الدرجة الأولى.
أقصد أن تقوم الوزارات بترشيح شركات كبرى لتنفيذ المشاريع العملاقة والاستفادة من خبرتها في إدارة المشاريع بما في ذلك استقطاب وتدريب الموارد البشرية المؤهلة, ثم تمكينها من إدارة المشاريع لفترة يتم بعدها تسليم المنشآت بما فيها من الموظفين الذين تم تأهيلهم على مستوى عال.
كما يمكن أن تكون هذه بداية لتبني مفاهيم التفويض Outsourcing وتخصيص الأعمال التي يمكن أن تخصصها الدولة لأن هذه هي الوسيلة الأفضل لإدارة الأعمال, وضمان توفير الخدمات بما يرضي كل المستهلكين، والشواهد كثيرة, والمؤسسات والهيئات المؤهلة للتخصيص في المملكة غير قليلة. يمكن أن يبدأ مشروع التفويض باستاد الملك عبد الله في جدة بعد أن يصبح مؤهلاً لذلك بجهود الشركة العملاقة.
نقلا عن الاقتصادية
لكن هل علينا أن نتوجه إلى “أرامكو” كلما واجهنا مشكلة, ونفوضها في حل كل إخفاقاتنا ؟ سؤال كان صعباً على وزارة التعليم العالي ثم أقل صعوبة على أمانة مدينة جدة وأقل من ذلك على الرئاسة العامة لرعاية الشباب, ثم أصبح مفخرة للدفاع المدني الذي قرر أنه لا يستطيع أن يفعل المزيد لإخراج جثة لمى الروقي التي لا تزال في قاع البئر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال