الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعد سقوط الاتحاد السوفيتي لحظة فارقة في التاريخ الحديث، فقد كان للعالم قطبين يتقاسمان العالم سياسيا، واقتصاديا؛ وأُسقط القطب الاشتراكي؛ مما أدى إلى عدة تحولات عالمية؛ أبرزها اتجاه معظم دول المعسكر الاشتراكي إلى إتباع سياسات التحرر الاقتصادي؛ وبالتالي سيطرت نظم السوق الحرة للقطب الرأسمالي، على كل مناطق العالم تقريبا؛
ومن هنا تغيرت اللعبة الاقتصادية العالمية، وبدأت ملامح مرحلة جديدة، تناغمت فيها الشركات متعددة الجنسيات، وعابرة الحدود، والقارات، مع المنظمات الدولية، وخلقت قواعد للسلوك، وأنماط جديدة في إدارة الاقتصاد العالمي؛
وأضحت الدول تحت طائلة نظام واحد، لا يؤمن إلا بما يراه، وازداد أثره، وأصبح أكثر وضوحا، مع ظهور التكتلات الاقتصادية؛ والثورة الهائلة في تقنيات الاتصال، والتكنولوجيا، والمعلومات، وهذا ما أطلق عليه المختصون، مصطلح “العولمة”، أو “الكونية”، أو “الكوكبية”.
والعولمة بمفهوم عام لها: تسعى لجعل العالم قرية كونية واحدة، تندمج في ركابها كل الدول، وتدعم حرية السلع، و الخدمات، و الأفكار؛ وتعتمد على التنافسية، والجودة، والأمثلية؛ وتحتكم إلى آليات السوق المحددة (التي لا يجوز المساس بها) لتصل بالعالم إلى رؤية “المجتمع الجديد، والإنسان الجديد، والمواصفات الجديدة، في المرحلة الجديدة”.
وبرغم كون العولمة بالأساس اقتصادية بحتة، وتشمل العالم أجمع بالمشاركة، وتديرها أقطاب عالمية السمات، وهي: صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية؛ إلا أنها لم تراع مصالح، وخصوصيات الدول المنضوية تحتها، وألقت بظلالها الأحادية (الرأسمالية) على الجوانب السياسية، والثقافية، والدينية، والاجتماعية، والإعلامية… لتلك الدول؛ وأضحت مفاهيم، واتجاهات المصدر سلعة عالمية، يتم تسويقها، وتداولها حول العالم، كأي سلعة تجارية أخرى؛ ويتم هذا طبعا لصالح القوة العالمية المهيمنة، التي تقوم أساسا على أيديولوجيا مركزية، تربط كلِّ الثقافات، بفلسفة واحدة، يتبنى الجميع على ضوئها كل ما تُلقيه إليهم مِن أفكار، ومفاهيم، وقيم؛ وسلع، وبضائع، ومنتوجات، وتخلق فيهم ميولاً، وأذواقًا، ورغبات استهلاكية مشتركة، يمكن من خلالها السيطرة، والتحكم في العالم أجمع.
ونحن هنا في مملكتنا الحبيبة، حسب تصنيفهم، ومؤشراتهم، لا نزال نقبع ضمن دول العالم الثالث؛ وأمامنا تحديات اقتصادية كبيرة، في النمو، والتطور التنموي، والتحول من اقتصاد الريع، إلى اقتصاد المعرفة، والعبور بوطننا إلى مستويات أرفع، وأعلى؛ ولكن التحدي المصاحب الأكبر أمامنا، يكمن في الحفاظ على ثوابتنا، وهويتنا، وثقافتنا، ورصيدنا الحضاري؛
والمؤكد أن الموائمة بين الانفتاح على العولمة، والانغلاق في وجه سلبياتها، بشبه إلى حد بعيد السير وسط حقل ألغام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال