الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ليس من تجاوز على مكانة التعليم عندنا أكثر من أن يتواتر تكرار مقولة: مخرجات تعليمنا لا تواءم سوق عملنا! أمر يدعو للاستغراب بالفعل، إذاً لمن نُعلمّ أو مع مَنّ تتواءم مخرجات تعليمنا؟! لقد سمعنا جميعاً هذه المقولة لسنوات، وكانت غطاءً كافياً ليغرق اقتصادنا في محيط من العمالة الوافدة غير المتعلمة وغير المدربة وبسيطة ومتوسطة وعالية التعليم، وعديمة وبسيطة ومتوسطة وعالية الخبرة، يأتون من كل بلدان الدنيا. كل هؤلاء يتواءمون مع سوق عملنا إلا مخرجات تعليمنا المحلي. لم أصدق قط هذه المقولة (مقولة عدم المواءمة) فقد كررها مراراً أصحاب مصلحة لاستقدام عمالة بأكثر مما نحتاج، فأخذ اقتصادنا يعاني من تدني الانتاجية (نتيجة لاستقدام الكثير من العمالة لأداء مهام لا تضيف قيمة تذكر للاقتصاد الوطني)، وتعزيز اعتماده على إيرادات النفط (فهي التي تدفع التكلفة المتصاعدة لاستقدام العمالة التي تقدر بنحو لم أصدق قط هذه المقولة (مقولة عدم المواءمة).
12 مليار ريال شهرياً في المتوسط)، وانتشار البطالة بين شبابه لدرجة أن كان لابد من إطلاق محفزات مالية وغير مالية لتزيد من جاذبية الباحثين عن عمل من مواطنين ومواطنات.
وحرصاً على التبسيط، فنحن نحاول أن نستبدل “خشمنا”، رغم أن الحكمة الراسخة تقول “ما لك إلا خشمك ولو كان عوج”. ومن باب انتقاد الذات، فلا بد من الاقرار أننا استمرأنا الاعتماد على العمالة الوافدة، أقول ذلك مع التسليم بأن ما لدينا من قوة عمل مواطنة غير كافية، ولكن عندما يفكر أي منا في تأسيس شركة جديدة فينصرف تفكيره إجمالاً إلى كيف سيحصل على تأشيرات ليستقدم موارد بشرية من الخارج يعتمد عليهم ثم يستقطب بعض المواطنين والمواطنات “لزوم السعودة”، وكأن البلد خاوية من أية مواهب!.
لقد دأبنا على ممارسة هذا الأمر لسنوات طويلة، وكأن ليس أمامنا خيار بشري محلي. ولعل هذا هو السبب الأساس في تراجع التعليم العام عندنا؛ فقد قررنا ألا نعتمد عليه، وخلصنا إلى عدم مواءمة مخرجاته، فكانت ردة فعل المنظومة التعليمية تلقائية: أن تصرفت وكأن عليها ممارسة عمل روتيني ممل وهي محبطة من أن المجتمع قد أشاح بوجهه عنها. تصور أن يطلب أحد منكَ أن تقوم بعمل ثم يوحي لك بصور شتى أنه لا يعول كثيراً على ما ستقوم به! ومن المبرر القول إنه لن يصلح التعليم بالمباني التربوية والتقنية المتقدمة فقط، بل بأن نعولّ عليه ونمنحه الثقة باعتبار أن منظومة التعليم هي التي ستحقق النقلة وتزرع بذرة التحرق لبناء الوطن والانتاج والابداع والعمل لخدمته أولاً وليس لخدمة ذواتنا ومصالحنا أولاً وثانياً وقبل أي شيء وكل شيء.
كلنا يعلم أن التعليم هو الذي سيصنع الفرق، لكننا ﻻ نملك رصيدا متجددا من الوقت لنحسن واقع التعليم العام، أما ما يبعث على الأمل فهو أن الصبر يتجدد مع كل انجاز ومع بروز كل تحدي. ولعل البداية الحقيقية استعادة ثقة المجتمع بمخرجات التعليم العام. وهكذا، وكشرط سابق للارتقاء بالمناهج والبناء المدرسي والمدرس وتقنيات التعليم والنقل المدرسي، لابد من إعادة بناء جسور الثقة من خلال التواصل وبناء شراكة مجتمعية.
نقلا عن اليوم
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال