الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
إن المتحكم في تنمية القاعدة المادية لأي حياة اجتماعية هو الفكر، والاقتصاد؛ وبالتالي فإن طريقة بنائهما، هي ما يحدد شكل، ومضمون، التقدم، أو التخلف؛ ولذا فإن التخطيط التنموي الشامل، من الأهمية بمكانة رفيعة، ومن العناية بمنزلة فريدة، فهو المعني بالقدرة، والسيطرة، على موارد المجتمع الفكرية، والحضارية، والمادية، والبشرية، والمالية؛ المتاحة، والمحتملة؛ وحسن استخدامها، وتنميتها الكمية، والكيفية باستمرار؛ لصالح نفع الأفراد جميعاً؛ بما ينعكس على قوة، ومتانة المجتمع أمام المجتمعات الأخرى.
ولو تتبعنا أثر التنمية على مملكتنا خلال العقود الماضية، لخلصنا إلى نتائج لا ترضي أحدا، فخطط التنمية منذ نشأتها وإلى يومنا هذا لم تخرج بالنتائج المتوخاة من أهدافها، ولم تتسق مع ما صرف عليها؛ ولنا في آثارها المعاشة خير برهان، وشاهد، فلم نرواح أحلام تنويع القاعدة الاقتصادية، ولم نبرح الاستهلاك والاستيراد الزائد، ولم نزل نعاني الفساد، والبطالة، والفقر، وسوء الخدمات، وتردي البنية التحتية؛ ولم نصل بعد إلى تصنيع حاجاتنا الأساسية البسيطة؛ فضلا عن غيرها من السلع…
ولا شك أن بمقابل هذه الصورة القميئة، صورة أخرى مشرقة، وزاهية؛ من مقومات البناء، وأسس النماء، فبلادنا بحمد الله دولة حباها الله من النعم ما نعجز عن شكره عليها؛ فالموارد الطبيعية متوافرة، ومتنوعة؛ والثروة البشرية القادرة على العمل كبيرة، وواعدة؛ والموارد المالية عالية، ومجزية، والصندوق السيادي زاخر بالخيرات… فماذا ينقصنا إذاً؟ وكيف ببلدٍ فيه هذه المقومات ويعاني الأزمات؟!
إني أرى أن بحث الأسباب، وتقصي الحقائق؛ لا يعدو كونه نكوصاً إلى الخلف، ورجوعاً إلى الوراء، ودرساً للتاريخ ليس إلا؛ ولذا فإن الانطلاق لمستقبلنا يبدأ من يومنا الذي نملك حق تغييره، فلننطلق، ولنخرج بسرعة من هذه العوائق التنموية، والمنغصات الاقتصادية؛
ويكمن هذا بداية في تجويد وإدارة التخطيط الاستراتيجي المركزي، الكلي، والجزئي للدولة؛ واعتباره قلب مغذٍ لسائر الجسد، ومحور يومي للعمل في كل القطاعات؛ يُلزَم الجميع به وفق رؤية واضحة، ورسالة ملهمة، وأساليب تنفيذ مقننة، بمؤشرات مُزَمَّنَةٍ دقيقة، ومتابعة مستمرة محكمة؛ عبر منظومات من الكفاءات، واسعة الصلاحيات، قوية التأثير؛ بما يمكنها من السيطرة والتحكم في كل العمليات التنموية من بداية تخطيطها وحتى تشغيلها؛
كما يوكل لها تحديث ومراجعة الأنظمة، والقوانين الحكومية باستمرار، بما يحفظ هيبتها، وتطبيقها؛ وبما يحرر تعارضها، وتشابكها؛ وبما يسمح بتأثير المعرفة، والتكنولوجيا بها؛ لا سيما إذا ما أدركنا أننا في عالم متسارع متغير، تسيره المعرفة، والتكنولوجيا؛ وتسيطر عليه مفاهيم العولمة، والمنافسة؛ ولا بقاء فيه إلا لمن يمسك بزمام التقدم، والتنافس؛ وإلا فمصيره الإقصاء، والتهميش، والتلاشي.
عبدالله القرني
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال