الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في رأي كثير من المفكرين تعتبر فكرة تنظيم الحكومة للأسواق المالية أمرا بات حتميا، ولكن يكمن الاختلاف حول أفضل الطرق للقيام بذلك. على أن هذا الاختلاف لا يعني عدم جدوى فكرة التنظيم الذاتي للسوق، إذ إن التجارب والأزمات المالية الأخيرة أكدت ضرورة وجود دور حكومي فعال.
إن الانتقال من الاشتراكية للرأسمالية في الكثير من النماذج الاقتصادية الحديثة، وإلى المزيد من التحرر الاقتصادي في العديد من الأنظمة الرأسمالية الأخرى كان أحد أبرز سمات القرن الماضي. ولا يمكن للمتأمل في وضع السوق اليوم أن يغفل تلك الهوة الكبيرة التي باتت واضحة بين مختلف الطبقات الاجتماعية، إذ أصبح من الواضح أن الطبقة الوسطى التي كانت تشكل مصدر أمان وثقل واضحين في الدول اهترأ نسيجها في بعض الدول والمجتمعات وقاربت على الانقراض في الأخرى.
لقد أصبح اليوم الفكر الاحتكاري المنبثق من القيم الرأسمالية أحد أهم موجِّهات هذا العصر. فباتت كبريات الجامعات العالمية تعطي طلابها مواد خاصة عن كيفية إقصاء المنافسين من السوق، وأصبح هناك تناسب طردي مع تطبيق تلك الممارسات والتطور الوظيفي ومستوى الدخل.
إن الذي ما زلنا نشهده اليوم على الساحة الاقتصادية من تغيرات كبيرة على مستوى سلوك الأفراد والمؤسسات يعكس العديد من القيم التي جلبتها الرأسمالية الحديثة. فقد تراجع متوسط المدى الاستثماري ليبلغ ثلاثة أشهر بعد أن كان يتعدى السنوات السبع فيما مضى. حيث لم يعد الكثير من المستثمرين يستثمرون الوقت والجهد للتعرف على أداء أعضاء مجالس الإدارات، ويقومون بالعديد من التحليلات المستفيضة سواء المالية أو الاقتصادية، بل أصبحت الأسهم لا تتعدى كونها سلعة تُشترى اليوم لتباع غدا بسعر أعلى.
ومن الظواهر الجديرة بالملاحظة “ممولة الاقتصاد”، حيث أصبح المستثمرون أكثر اهتماما “بنقل” الثروة بدلاً من “صناعتها” كما كان الحال قبل ذلك. كما أصبحت العديد من الأسهم ذات الربحية المنخفضة ذات قيمة سوقية عالية. وغاب عنها صناعة القيمة والاستثمار في الأصول الحقيقية، التي وصفها آدم سميث بأنها مصدر ثروات الشعوب. وليس أدل على ذلك من الصعود المخيف لتلك الأسهم في شركات التكنولوجيا التي أنشأت جيلا جديدا من الأثرياء. وقد عزز هذا الاتجاه الاهتمام الكبير لوسائل الإعلام بأخبار سوق الأسهم والتحديثات اللحظيَّة من قبل العديد من المحطات حتى غير المالية منها. وأصبح من الصعب التمييز بين الأنشطة الاستثمارية أو المقامرة للبنوك الاستثمارية، التي كان لها دور كبير في التذبذبات الكبيرة في أسهم الطاقة.
إن السوق باختصار شديد يعاني اليوم أزمة غياب القيمة وهو أحد الأسباب الرئيسة للأزمات المالية التي عصفت بالاقتصاد العالمي دولة تلو الأخرى.
أمام هذه المعطيات كيف يمكن تحديد اتجاه سهم الاقتصاد العالمي؟
في ظل ما بات واضحا من إرهاصات تشير إلى تشكّل عالم متعدد الأقطاب فإننا نتوقع صعودا مستقبلياً قويا معززا بممارسات رائدة للقارة الآسيوية، كما من المتوقع أن تكون القارة السمراء الحصان الأسود والفرس الأكثر تميزاً استثمارياً، ذلك أنها ما زالت القارة البكر والأكثر شبابا بين كل القارات.
إلا أن الحال لن يكون أفضل من ناحية البطالة في العديد من الدول الغربية، ومن المرجح أن تستحوذ قارتا آسيا وإفريقيا على النصيب الأكبر من الفرص الوظيفية الجديدة.
لقد مضت تلك الأيام التي كان فيها غالبية المستثمرين يركزون على أسهم البضائع الأساسية كالمنسوجات والمواد الغذائية، وأصبح الجيل اليوم يتاجر في المشتقات المالية، التي بلا شك أنهكت جسد السوق وجعلته أكثر جاذبية لأولئك الذين لا هَمَّ لهم سوى الكسب السريع ولو على حساب أبجديات وقواعد السوق الأساسية.
لسنا ندعي استقراء المستقبل، ولكن كما قيل قديما “الكتاب يُقرأ من عنوانه” وأكاد أجزم بأن العنوان أصبح واضحا وضوح الشمس في عز النهار. هذا إذا ما استمر الوضع كما هو، فهل يا ترى يحصل ما لم يكن في الحسبان؟
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال