الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لست مستغربا أبدا من فشل صناديق المؤشرات المتداولة في سوق الأسهم السعودية، البالغ عددها ثلاثة صناديق، التي انطلقت قبل نحو أربعة أعوام بصندوق فالكم المتداول للأسهم السعودية، الذي يشمل أسهم أكبر 30 شركة مدرجة. ثم تم إطلاق صندوق مشابه لفالكم المتداول للأسهم السعودية خاص بأسهم البتروكيماويات بعد ذلك بثلاثة أشهر، وفي نهاية 2011 أطلق صندوق إتش إس بي سي السعودية الذي يشمل أسهم أكبر 20 شركة متداولة.
بلغ المتوسط اليومي لكمية الأسهم المتداولة من أسهم فالكم 30 منذ بداية العام الجاري فقط 1300 سهم، ما يدل على انعدام جاذبية هذا النوع من الأسهم لدى المتداولين، على الرغم من كون أسهم صناديق المؤشرات المتداولة تحظى بشعبية عالية جدا في الأسواق الدولية، لما لها من فوائد كبيرة للمتداول. كما أن أداء الصندوق، الذي من المفترض أن يحاكي أداء المؤشر العام، لم يكن جيدا، حيث نرى أنه بنهاية الربع الأول من هذا العام ارتفع المؤشر العام بنسبة 10,99 في المائة، بينما صندوق فالكم ارتفع بنسبة 9,40 في المائة فقط.
قبيل إطلاق أول هذه الصناديق في المملكة حذرت من جملة من الأخطاء وطالبت بوقف عملية الطرح إلى أن يتم التأكد من جوانب كثيرة متعلقة بالشفافية وطبيعة عمل الصندوق ورسومه وعدالة آلية المراجحة (آربتراج) المزمع العمل بها، وغيرها من الملاحظات. الآن وبعد مضي أربع سنوات على تداول هذه الصناديق، لا أجد تبريرا مقبولا للاستمرار في إدراج هذه الصناديق في السوق المالية على الرغم من فشلها الذريع، ولا أن نترك للمكابرة وإنكار الواقع مكانا، خصوصا أن هناك حلولا واضحة كفيلة بإعادة الروح لهذه الصناديق ورفع الثقة بها، وجعلها في متناول المتداولين.
الحلول المقترحة تتمثل في معالجة جوانب القصور التي تم التنويه عنها في حينه، وأهمها ضرورة تعديل ضوابط عمل الصندوق، بحيث لا تكون مصممة لمنفعة القائمين على الصندوق على حساب المتداولين. على سبيل المثال، هناك تضارب صارخ في تركيبة الصندوق ليس له مثيل في صناديق المؤشرات العالمية، وهي أن مدير الصندوق وإداري الصندوق وصانع السوق (الوحيد إلى وقت قريب) وأمين الحفظ والقائم على المؤشر الذي يحاكيه الصندوق، جميعهم موظفون يتبعون للصندوق ذاته، ما يفقد الصندوق المصداقية اللازمة لدى المتداول. حتى صانع السوق الآخر (شركة السعودي الفرنسي كابيتال)، الذي تمت إضافته لاحقا، ليس مستقلا كما ينبغي، بل إنه حصل على الترخيص من فالكم نفسها، بينما المطلوب فتح المجال لعدد كبير من صناع السوق المستقلين لضمان الحيادية والمصداقية لدى المتداولين. دور صناع السوق يأتي، على سبيل المثال، في حال ارتفاع سعر الصندوق عن السعر الحقيقي، ويتم ذلك بشراء الأسهم المكونة للصندوق فورا من السوق واستبدالها بأسهم من أسهم الصندوق، ومن ثم بيعها فورا بسعر السوق لتحقيق ربح خال من المجازفة.
المشكلة الأخرى في فكرة الصندوق هي أنه لا يحاكي المؤشرات المعروفة، بل يحاكي أداء مؤشر تم تصميمه من قبل الصندوق نفسه، بخلاف ما نجده في أشهر صناديق المؤشرات في العالم التي تحاكي في أدائها مؤشرات معروفة مثل مؤشر داو جونز ومؤشر إس آند بي ومؤشر ناسداك ومؤشر نيكاي 225 في اليابان، وغيرها.
محاكاة الصندوق لأداء مؤشر معروف تزيل الغموض عن أداء الصندوق وتبعث الثقة في نفوس المتداولين.
على الهيئة إعادة النظر في سماحها لأن يصل الفارق بين سعري العرض والطلب إلى 2 في المائة، وتقييده بدلا عن ذلك بمقدار الوحدات السعرية المتبعة في تداول الأسهم. ما يحصل حاليا أن بإمكان صانع السوق إدخال طلب على الصندوق بسعر 20.00 ريالا، على سبيل المثال، وعرضه بسعر 20.40 ريال، بينما المفروض والأكثر عدالة للمتداولين أن يكون فارق السعر في هذه الحالة خمس هللات فقط، ما يجعل تداول الصندوق مجديا وبتكلفة أقل على المتداول. كذلك على الهيئة إعادة النظر في قرارها السماح بانحراف سعر الصندوق عن السعر الحقيقي بنسبة تصل إلى 1 في المائة، وهذا خطأ كبير فيه ضرر للمتداولين. هذا يعني أن المتداولين قد يبيعون ويشترون أسهم الصندوق على الرغم من أن سعر الصندوق يفوق قيمته الحقيقية بمقدار 1 في المائة، وهو أمر وارد في سوق ناشئ وبغياب صناع سوق مستقلين. بل إن شركة تداول ذاتها أقرت بعد إطلاق الصندوق لأول مرة عن تكبد كثير من المتعاملين خسائر في أول أيام التداولات بسبب وجود طلبات على النسبة القصوى (10 في المائة)، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث لو كان هناك صناع سوق مستقلين يقومون بدورهم في موازنة سعر الصندوق، ولو أنه تم بالفعل الالتزام بنسبة الانحراف المسموحة.
الهدف من صناديق المؤشرات المتداولة إيجاد وسائل استثمارية صالحة لكل من الاستثمار والمضاربة من خلال تداول أسهم الصندوق المكون من أسهم عدة شركات في آن واحد، وهو بديل للاستثمار في الصناديق الاستثمارية التقليدية، ويتميز عنها في زيادة المرونة وارتفاع السيولة وعدم الاعتماد على جدارة مدير الصندوق نتيجة عدم وجود الحاجة إلى اختيار الأسهم المكونة للصندوق، وبالتالي انخفاض تكلفة الصندوق. هذه المزايا جعلت صناديق المؤشرات عالية الجاذبية لدى المتداولين، حيث نجد على سبيل المثال أن صندوق مؤشر إس آند بي 500 يتجاوز تداوله اليومي 70 مليار ريال سعودي، متجاوزا بذلك حجم التداول اليومي لأسهم كبريات الشركات مثل مايكروسوفت وجنرال إلكتريك وإكسون وغيرها.
صناديق المؤشرات المتداولة فشلت لدينا بشكل كبير، وأحد أهم الأسباب يعود لضعف ضوابط عمل هذه الصناديق، التي صُممت مع الأسف، بهدف جني أرباح طائلة للجهة القائمة على الصندوق، دون مراعاة للعدالة والشفافية وحقوق المتداولين، فجاء الرد سريعا وقويا بأن ابتعد عنها المتداولون وتركوها كما نرى يوميا، إما بغياب تام لأي صفقات، حيث حدث ذلك في 20 يوما هذا العام، أو بتداولات ضعيفة، حيث المتوسط اليومي لكمية التداول فقط 1300 سهم. ولا شك لدي أن إجراء التغييرات اللازمة سيعود بالفائدة للصندوق نفسه وللمتداولين الذين لن يترددوا في التعامل مع وسيلة استثمارية مهمة أثبتت نجاحها في دول عديدة، ومطلوبة بقوة من قبل كل المتعاملين.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال