الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أكثر من 20 ألف شركة استمرت تعمل لأكثر من 100 عام، بينما هناك أكثر من 600 شركة ظلت تعمل لمدة تتجاوز 300 عام، إلا أن الأعجب من هذا كله أن خمس شركات تمكنت من الاستمرار لأكثر من ألف عام. إننا لا نتحدث عن كيانات افتراضية بل عن كيانات حقيقية لا تزال موجودة على أرض الواقع. فما هو سبب نجاح هذه الشركات اليابانية التي استطاعت أن تتحدى الزمن بكل هذه القدرة على الاستمرارية بجدارة؟
ومن أجل الإجابة عن هذا السؤال قام البروفيسور الياباني “هارو فونابشي” بدراسة مستفيضة لهذه الشركات ووجد أن أهم العوامل المشتركة بين هذه الشركات والتي مكنتها من التفوق على نظيراتها من حيث الاستمرارية يكمن في وجود نموذج قيادي مبتكر وفعال لكل منها، ومبني على رؤية طويلة المدى، مع التأكيد القوي على أهمية العامل البشري، والتزامها الواضح ببناء وتنمية المحيط الذي تعمل فيه، وأخيرا وجود عنصر الابتكار ومواكبة آخر التطورات.
وعلى الصعيد نفسه، قام البروفيسور كولينس وبوراس بدراسة عن شركات أمريكية استطاعت أن تؤدي بشكل قوي مقارنة بمؤشر السوق لأكثر من 50عاما، فوجد أن هدف هذه الشركات تعدى جني الأرباح إلى صناعة القيمة، كما وجد أنها من أكثر الشركات التزاما بقيمها على مستوى التطبيق.
إن هذه الدراسات وغيرها عن الكثير من الكيانات التي استطاعت الاستمرار في ظل ظروف متقلبة للأسواق، دليل على أن النموذج القيادي الذي يركز على غرض الشركة، وقيمها، والعلاقات الفعالة هو السر وراء استمراريتها. إن النموذج الإداري القيادي القوي والفعال لا نجده في تصرفات إدارة الشركات بل يظهر جليا في طريقة عمل الشركة ككل، ويشكل جزءا من ثقافة الشركات وطريقة أدائها للمهام اليومية على مستوى جميع الأقسام.
أما فيما يخص العلاقات الفعالة، نجد أن هذه الشركات تمكنت من عمل روابط مستدامة مع العملاء، الموظفين، الموردين، الملاك، وفئات مختلفة في المجتمع.
إن بناء العلاقات القوية مع أصحاب المصالح للشركة “وهم كل من يتأثر ويؤثر في عمل الشركة” لا يعني التقليل من شأن الكفاءة التشغيلية والتي هي مطلب ضروري لا يمكن إغفاله لاستمرارية الشركة. ولكن ما يحدد قدرة الشركة للتغلب على تقلبات الأسواق، ويمكنها من الاستفادة من الفرص المواتية في مجال عملها، هو قدرتها على تكوين هذه العلاقات القوية والقدرة على الحفاظ عليها ولا يكون ذلك إلا من خلال وجود قيمة مشتركة بين الطرفين.
الشركات على نحو ما يمكن تشبيهها بالكائنات الحية، حيث السبيل الأوحد على نجاحها وبقائها هو تحقيق النجاح لجميع أصحاب المصالح وليس نجاح أحدهم على حساب الآخر. إن العديد من النقاشات حول حقوق العمال هذه الأيام يتركز على حقوقهم المادية، وأوقات الراحة المسموحة، والمزايا الوظيفية، بينما يتم إغفال دور الموظفين كسفراء، وكحماة للشركة، والذي يعزز بدوره ثقافة الانتماء لدى الموظف ورفع حس الملكية لديه تجاه الشركة.
أهم علاقات الشركات هي علاقتها بالمجتمع الذي تعمل فيه. وقد لوحظ من خلال الدراسات التي ذكرناها سالفا أن جميع هذه الشركات هي شركات لديها إسهامات واضحة لا يمكن إغفالها في هذا الإطار. كما أنه من الملاحظ أن جميع هذه الإسهامات تنصب في المجالات التي تحتاج إلى المزيد من التطوير والابتكار.
وثمة فرق كبير بين الشركات التي تقوم بالعمل المجتمعي بشكل يهدف إلى بناء الكفاءات وتحقيق التنمية المجتمعية مع مردود عائد للشركة يمكنها من المداومة على هذه الإسهامات، وبين شركات أخرى لا تهدف من وراء هذا كله إلا إلى زيادة الانتشار وحصتها السوقية وتحقيق مكاسب أخرى على حساب المجتمع وللأسف هذا هو النموذج الأكثر انتشارا بين معظم شركاتنا السعودية والأكثرها شهرة في هذا المجال.
لا شك أن عوامل نجاح الشركات كثيرة، ولا يمكن بأي حال حصرها بما ذكرنا أعلاه، إلا أننا تطرقنا من خلال ذلك إلى جانب القيادة والعلاقات بين الشركة وذوي المصالح.
وأخيرا، نقولها ونكررها المرة تلو الأخرى: ليس المهم هو اختيار المصطلحات، ولكن جودة المخرجات، فهل يمكن قياس مساهمة شركاتنا الكبرى في تنمية المجتمع وتقديم حلول لتحدياته المتزايدة من بطالة وفقر؟
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال