الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لقد أصبح العالم متسارعاً، ومتغيراً، ومليئاً بالأحداث السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعلمية، والتكنولوجية، والبيئية؛ مما جعل الأفراد يتعرضون لحظياً لكميات مهولة من المعلومات، والأخبار، والتقارير، والاحصاءات، والتحليلات، والصور، والفيديوهات؛ بما تحمله من رسائل سلبية، أو إيجابية وما تتظمنه تحت أعطافها من قيم كونية، وثقافة عالمية، لا حدود لها؛ والكل فاعل فيها بقدر ما يمتلك من أدواتها، وينتظم مع أنظمتها، وقوانينها؛ والمستفيد منها يتمتع خلالها بما يريد، وقتما يريد؛ فهي اختيارية متنوعة، طيِّعة لينة، تلبي رغبات، وأذواق جميع الأعمار.
إن تقنيات الاتصالات، ووسائل التواصل، وشبكات الإعلام الحديثة، تعد أحد مفاخر، وإنجازات العولمة؛ ذلك أنها أحدثت نقلةً كميةً، ونوعيةً، مذهلة على مستوى العالم؛ وهذه نعمةٌ فريدة؛ وخَلَّةً كبيرة؛ ولكن سلبياتها تكمن في بعض مضامينها المتوارية تحت جلباب الحرية، والحقوق، والعدل، والمساواة، والتقدم، والإزدهار؛ ولكنها في الحقيقة تغذي صراع القيم، وهز الثقافات، وفصل المكان عن الهوية، والقفز فوق الحدود الثقافية، والسياسية، والتقليل من مشاعر الانتساب، أو الانتماء إلى مكان محدد؛ وهي تسوق أهدافها على المتلقي بأساليب متعددة؛ مثل الإيحاء، والخيال، والصوت، والحركة، والصورة، والرمز… ولهذا فقد باتت تهدد الأفراد والمجتمعات والدول على حد سواء، فالحصانة الفكرية أمام المتغيرات التي تمتع بها الفرد، والمجتمع لعصور، حين كانت مصادر التلقي محدودةً، ومحصورةً بيد الحكومات؛ لم تعد بذات الجدوى، ولم تعد ذات أثر، ولم يعد لها القبول، في ظل الإنفجار المعرفي، والإعلامي الكبير.
وأمام هذه التحديات تبرز قضية الهوية الدينية، والقومية، والوطنية؛ وكيفية المحافظة عليها، ودعمها، وتثبيتها لدى المجتمع؛ لينطلق بثوابته، وقيمه فلا تضره الأمواج العاتية، ولا تتخطفه الأفكار الهادمة، ولا تزعزع قناعاته الأوهام؛ ولذا فإن إدارة المجتمع، والمحافظة عليه من الذوبان، ينبغي أن تقوم على مرتكزات دعم الهوية، وتأصيلها؛ والمسؤولية هنا مسؤولية جماعية يتشارك بها الجميع؛ ولا سبيل إلى الوصول إلى ذلك كلياً؛ ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله؛ وعليه فإن تثبيت العقيدة الصحيحة، والتربية القيمية، والإهتمام باللغة العربية، وترسيخ الشعور الوطني؛ وتبني الإنتاجية الاقتصادية، والعلمية؛ تمثل حجر الزاوية في مواجهتها، والتصدي لزحفها؛ كما أن العولمة الإعلامية فرصة يجب أن تستغل جيداً في صياغة مشروع حضاري إسلامي؛ يحفظ الهوية، وينشر قيمها الأخلاقية، والعملية، ويدفع الشبهات عنها؛ ونحن نستطيع ليس لأننا أمة غالبة، أو شعب مختار، ولكن لأننا نمتلك في ثقافتنا أكسير القوة، و سر التأثير؛ إنه ديننا الذي كان يوماً من الأيام يقود الحضارات، ويعولم العالم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال