الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يصنع المجتمع، بأنشطته المتنوعة، قيمة الأرض. وأعني بالمجتمع الوطن بجميع مكوناته وفئاته. عندما يقرر المجتمع تطوير أو تحسين ناحية جغرافية من مدينة أو محافظة عبر شق طريق أو بناء مشروع أو تطوير مرفق ونحو ذلك، فإن النتيجة رفع قيمة الأراضي المحيطة. هذه القيمة المضافة صنعها المجتمع بماله وجهده وليس مالك الأرض. المالك ليس له فضل في هذا.
وبتعبير آخر، ترتفع أسعار الأراضي لتغيرات وتطورات في الاقتصاد، ساهم فيها المجتمع وليس ملاك تلك الأراضي. وهذا الارتفاع في العادة يتجاوز كثيرا التكلفة المتوقعة للفرصة الفائتة بسبب الامتناع عن البيع (الاحتكار أي الحبس). أما الامتناع ذاته فلا تكلفة له، إذ الأرض ليست سلعة تحتاج إلى تخزين وحفظ وتستهلك مع مرور الوقت. وهذا فرق جوهري بين سلعة الأرض والسلع الأخرى، وهذا الفرق أحد مبررات فرض الضريبة.
توقع الارتفاع المستقبلي يحفز على مزيد من الاحتكار الذي نعني به الحبس، وليس الانفراد. وحيث إن الحبس أو الاحتكار لا تكلفة له خلاف الفرصة الفائتة، فهذا يزيد المشكلة. وللتوضيح، طمع البشر والاحتكار ليس جديدا، بل هو من شيم النفوس، فالإنسان يحب المال حبا جما منذ أن خلق. ما الذي استجد ويستجد؟ التطورات الاقتصادية. يقف على رأس هذه التطورات في الاقتصاد السعودي ارتفاع الدخل النفطي، فنمو الإنفاق الحكومي، فنمو السيولة في شرايين الاقتصاد. تلك التطورات صنعت بيئة خصبة لممارسات، كالمضاربات والاحتكار، تزيد من فرصة ارتفاع أسعار الأراضي، خاصة أنه لا تكلفة فعلية لهذه الممارسات ذاتها خلاف تكلفة الفرصة.
ما سبق يبين أن هناك منطقا وعقلانية لحصول المجتمع على عائد مقابل مساهمته في إضافة قيمة للأرض.
ويفترض أن يتجاهل التقييم ظروف التطوير على الأرض، ويركز على الأرض نفسها. كما لو كانت أرضا فضاء.
بهذا المعنى فإن ضريبة قيمة الأرض لا تحمل كل المعنى الموجود في الضرائب الأخرى. بل تعد مساهمة من المالك للمجتمع مقابل المنافع التي تسلمها أو نالها من الخدمات وتطوير البنية والمرافق الممولة من الآخرين، خاصة خزانة الدولة، التي أسهمت في رفع قيمة الأرض. وحتى الأراضي التي لم يصلها التطوير، توقع أو أمل التطوير مستقبلا له اعتباره وتأثيره الآن.
لضريبة قيمة الأرض فوائد أخرى كثيرة. فهي ابتداء عادلة. ذلك لأنها تعيد إلى المجتمع جزءا من حقه في القيمة المضافة إلى الأرض بالمعنى الذي سبق شرحه. وعلى خلاف ضريبة الدخل، هي لا تأخذ أموالا مصدرها جهود الفرد أو عمله.
من منافعها المأخوذة من خصائصها أن المالك لا يمكنه تعديتها إلى الغير. أي أنها لا تشكل تكلفة على الإنتاج، وهذا خلاف أنواع الضرائب الأخرى التي ترفع التكلفة. هل يمكن نقل العبء الضريبي إلى الآخرين كما يحدث في الضرائب الأخرى؟ لا، فضريبة الأرض تعد الضريبة الوحيدة التي لا يمكن نقل عبئها إلى المشتري أو المستأجر، لأن الأرض لا تقبل الاستحداث ولا تقبل الاستبدال التام. وقد كتبت عن هذا أكثر من مرة، أذكر منها مقالا في هذه الجريدة بعنوان “الضريبة تخفض أسعار الأراضي .. توضيح إشكالات”، نشر بتاريخ 5 مارس 2012.
من خصائص ضريبة قيمة الأرض أن عبئها على الأكثر قدرة على الدفع. وأنها تحفز على استخدام تشغيل الأراضي المعطلة. تمنع أو تقلل توسع المناطق السكنية دون داع، بسبب حبس مساحات عمدا.
من فوائدها أنها تحفز على النشاط الاقتصادي، ومن ثم صناعة مزيد من الوظائف. من فوائدها أنها تقلل المضاربات وتقليل المضاربات يحد من رفع الأسعار.
الضريبة على قيمة الأرض لا تقلل عرض الأراضي، أو تجعل استئجار الأراضي أكثر صعوبة. بل العكس. تفرض جزاء على الاحتفاظ بالأرض، وهذا يعني وضع ضغوط لزيادة العرض من الأراضي وضغوط على الأسعار من الارتفاع.
أتعجب من بعض الكتاب حينما يقلل من شأن ضريبة الأرض بخفض أسعار الأراضي، يقلل من ذلك بحديثه عن عوامل أخرى تعطي تأثيرات معاكسة. هذا الكلام يحمل سوء فهم عمدا أو جهلا. قد يوجد عاملان متعارضا التأثير. مثلا ارتفاع الدخل يسهم في ارتفاع الأسعار (تضخم مصدره ارتفاع الطلب). في المقابل، ارتفاع الدخل ومن ثم الأسعار يسهم في ارتفاع العائد (زيادة المبيعات والأرباح) من ممارسة نشاط ما، وهذا بدوره يحفز على دخول منتجين جدد وزيادة المنافسة التي تعمل على خفض الأسعار. قد يخلص البعض إلى أن ارتفاع الدخل يؤدي إلى خفض الأسعار. هذا فهم سقيم.
هناك من يقلل من أهمية ضريبة قيمة الأرض بكونها ليست الأداة الوحيدة لكبح جماح ارتفاع أسعار الأراضي، وأن هناك مشكلات في التطبيق. كل هذا صحيح، لكن النزاع ليس في أن ضريبة الأرض هي الأداة الوحيدة لكبح جماح ارتفاع أسعار الأراضي. وليس في أنها ستلغي تأثير عوامل أخرى معاكسة في التأثير.
كما أن النزاع ليس في وجود مشكلات كبيرة عند التطبيق. سوء التطبيق لا يلغي أصل الموضوع. الذي يلغيه استحالة التطبيق أو كونه يكلف أكثر من العائد من التطبيق. وكلاهما مستبعد. التطبيق متعب، ولكن كما يقول المثل “لا بد من صنعاء وإن طال السفر”.
أدخلت إلى البلاد مخترعات وأساليب عمل وقوانين مفيدة للعباد والبلاد ما كان لها أن تدخل بسهولة. بل بعضها تسبب في سقوط ضحايا ونزاعات. التطبيق أمامه عقبات نعم، لكنه ممكن، وفوائده تجعله مطلبا ملحا. والموضوع يحتاج إلى تفاصيل كثيرة، وبالله التوفيق.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال