الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
يعتبر سوق الأسهم من الأسواق شديدة الحساسية وسريعة التأثر لأي حدث خصوصا ما تعلق بالاقتصادي منها أو السياسي، وبغض النظر عن مدى منطقية اقتران حالة السوق ببعض تلك الأحداث إلا أثرها يبدوا واضحا على سلوك المتعاملين في السوق، وخصوصا كبار المضاربين الذين يحسنون استغلال تلك الأحداث لمصالحهم بما يحقق لهم مكاسب كبيرة أو جني أرباح نتيجة لتأثيرهم على حركة الأسهم وكمية السيولة الداخلة والخارجة للسوق، والذي ينعكس على أداء السوق، ومؤشره العام.
وقد يخفى على الكثير بعض مخاطر السوق وربما يصعب التنبؤ بها أو معرفتها خصوصا إذا كانت حركة التسوق تسير وفق نسق مقبول ما بين أداء الشركة وسعر سهمها السوقي ، إلا إن هناك ممارسات يمكن ملاحظتها يزداد نشاطها مع حركة دؤوبة غير محسوبة من المستثمرين قد تؤدي إلى مخاطر وأضرار بحركة السوق، ورغم ما قامت به هيئة سوق المال من سن أنظمة وتشريعات تعطي السوق قدرا كبيرا من الموثوقية ، وتحمي حقوق المتعاملين فيه، بما يضمن للسوق أداء جيدا يحقق الأهداف المرجوة منه، إلى أن هناك ممارسات التي قد يصعب السيطرة عليها في ظل الأنظمة الحالية ، وأخرى يمكن الحد منها أو منعها.
لو رجعنا إلى الفترة الذهبية لسوق الأسهم من عام 2003 وحتى الانهيار الذي حدث عام 2006 نجد أن هناك أسباب أدت إلى ذلك منها جهل الكثير من المضاربين وعدم خبرتهم بطبيعة السوق، وكيفية التعامل فيه، إضافة إلى مؤثرات كانت المحرك الرئيس لقراراتهم، إلا إن هناك سببا أكبر يتمثل في ضعف الشفافية التي أدت بالسوق إلى هذه الكارثة.
إن الشفافية والعدالة هما الركيزة الأولى في نجاح أي بيئة استثمارية واستمرار نموها، ومطمعا كبيرا للاستثمار فيها، وعلى النقيض من ذلك ضعف العدالة وغياب الشفافية وعدم الوضوح حول طبيعة السوق يجعل البيئة الاستثمارية بصفة عامة والبورصة على وجه الخصوص فرصة مناسبة لأولئك الانتهازيين الذين لا يتورعون في نشر شائعاتهم بما يحقق لهم مكاسب كبيرة على حساب الكثير من المضاربين عديمي الخبرة، وإلحاق الخسائر بهم ، بل قد يؤدي ذلك إلى عزوف المستثمرين عن السوق وعدم الثقة به.
وبالرجوع إلى نظام السوق المالية نجد مواد ركزت على جوانب مهمة، منها ما يتعلق بالمتعاملين في السوق سواء كانوا مستثمرين أو مضاربين، وأخرى تتعلق بذات السوق، وفي هذه المقالة سأتطرق لفقرتين مهمتين وردتا في هذا النظام الأولى / وردت في الفصل الثاني المتعلق بهيئة السوق المالية – المادة الخامسة – الفقرة (أ) – رقم (4) ورقم (5) ما نصه :
(4) حماية المواطنين والمستثمرين في الأوراق المالية من الممارسات غير العادلة، أو غير السليمة، أو التي تنطوي على احتيال،أو غش، أو تدليس، أو تلاعب.
(5) العمل على تحقيق العدالة والكفاية والشفافية في معاملات الأوراق المالية.
الثانية / وردت في الفصل الثامن المتعلق بالاحتيال والتداول بناء على معلومات داخلية – المادة التاسعة والأربعون الفقرة (أ) ما نصه :
يعد مخالفا لأحكام هذا النظام أي شخص يقوم عمدا بعمل أو يشارك في أي إجراء يوجد انطباعا غير صحيح أو مضللا بشأن السوق، أو الأسعار، أو قيمة أي ورقة مالية، بقصد إيجاد ذلك الانطباع، أو لحث الآخرين على الشراء أو البيع أو الاكتتاب في تلك الورقة، أو الإحجام عن ذلك أو لحثهم على ممارسة أي حقوق تمنحها هذه الورقة، أو الإحجام عن ممارستها.
ومن خلال ما ذكر في الفقرتين، نجد أنها ركزت على مبادئ بالغة الأهمية ، منها ما يتعلق بالمتعاملين وحمايتهم من أي تأثير يؤثر على قراراتهم وسير استثماراتهم، ومنها ما يتعلق بالسوق كتحقيق العدالة والشفافية في المعاملات، ورغم ذلك فإن تلك الأنظمة تتطلب تطبيقا ومراجعة وتعديلا بما يتلاءم مع السوق والاستثمار فيه.
إلا أننا نلحظ ممارسات مازالت تقوم بنفس الدور الذي قامت به من قبل، ذات تأثير واضح على سلوك المستثمرين بعضها خفية قد يصعب التعامل معها كالتوصيات التي يتناقلها المضاربين حول أسهم معينة سواء بالبيع أو الشراء، مما يولد إقبالا كبيرا على تداولها حتى وإن كانت أسعارها المرتفعة لا تعكس أداء جيدا للشركات التابعة لها، إلا أن هناك توصيات أخرى معلنة حول أسهم لبعض الشركات وجدت طريقها في مواقع رسمية وبعض وسائل الإعلام ، تصدرها بعض المؤسسات المالية، مما يجعلنا نطرح تساؤلات ننتظر الإجابة عليها من هيئة السوق المالية ، منها :
ألا تُعد تلك التوصيات بغض النظر عن كونها دقيقة أم لا، مؤثرة على أداء وسلوك المستثمرين في السوق، فضلا عن احتمال أن تلك التوصيات التي اصدرتها المؤسسات المالية في أسهم تمتلكها الشركات الأم في محافظها الاستثمارية.
ألا تُعد تلك التوصيات مخالفة للمادة التاسعة والأربعين المذكورة أعلاه، كونها تحث على البيع أو الشراء .
إن وجود قوانين صارمة وأنظمة مطبقة حتى وإن كانت غير معمول بها في أسواق أخرى ،الهدف منها تعزيز الشفافية وحماية المستثمرين ، والحد من التلاعب بالسوق تعتبر ميزة تعطي السوق تفردا في خلق بيئة استثمارية محفزة تسعى لزرع الثقة لدى المتعاملين فيه، وحرصا على مصالحهم.
أن هناك حلولا لا أزعم أنها ستقضي على تلك الممارسات الخاطئة ، بل قد تحد منها و تحمي الكثير من المستثمرين في السوق من أن يكونوا فريسة لأصحاب المصالح والتوصيات.
وسأتطرق لثلاثة أمور أجدها من وجهة نظري محاور مهمة في ضبط سوقنا المالية وهي تحقيق العدالة وحماية المستثمرين والشفافية .
وسأبدأ بتحقيق العدالة ، متتبعا في ذلك منطقية الأحداث بعد نشأة السوق ، كون أول حدث يمارسه المستثمرون بعد انتهاء فترة الاكتتاب ، هو تداول تلك الأسهم.
فكثيرا ما يتحدث الناس عن أمر مهم يحدث بعد انتهاء فترة الاكتتاب في أسهم شركة ما، ثم السماح بتداول أسهمها، وهي طلبات الشراء وبكميات كبيرة في الثواني الأولى من بداية السوق، مع أن هناك الكثير تقدموا بطلباتهم حينما فتح السوق مباشرة ولم يتمكنوا من الشراء ، وقد يكون السبب أن الكميات التي تم طرحها تم الاستحواذ عليها من خلال أمر واحد أو أمرين، أو لسبب تقني يتعامل مع كم هائل من أوامر البيع والشراء ، و ربما تقنين ذلك ووضع سقفا محددا للشراء في بداية أيام التداول الأولى – كأن يكون السقف مثلا 100 سهم لكل أمر طلب على أن لا يتم قبول طلب آخر بالشراء إلا بعد مضي وقت من تنفيذ الطلب الأول – يحقق قدرا كبيرا من العدالة ويتيح لشريحة كبيرة من المضاربين في تنفيذ أوامرهم، ويحول دون أي تأثير أو تدخل فيه مصلحة لأحد، ويمنع الاحتكار الذي يؤدي للتحكم في السوق والأضرار بالآخرين.
أما فيما يتعلق بالشفافية وحماية المستثمرين، فقد ذكرت من قبل نوعين من التوصيات ، هما الخفية التي لا يعلم مصدرها، والمعلنة والتي تصدرها بعض المؤسسات المالية، وبلا شك أن تلك التوصيات لها تأثيرا واضحا على سلوك المضاربين وقراراتهم، فالنوع الثاني المعلن يمكن التعامل معه ووقفه ومنع إصداره وتداوله، أما الآخر الخفي فيمكن التقليل منه وتقييده، وذلك من خلال تصنيف دقيق لأسهم الشركات حسب خطورتها، عن طريق الموازنة بين تقاريرها ربع السنوية والسنوية وبين أسعار أسهمها السوقية
ورغم أن المادة الخامسة والأربعون من الفصل السابع المتعلق بالإفصاح والتي تنص في مجملها على إلزام الشركة تقديم تقرير ربع سنوي وأخر سنوي ، تتضمن هذه التقارير الميزانية العمومية وحساب الأرباح والخسائر وقائمة التدفق النقدي، ومعلومات حول أداءها وأي احتمالات مستقبلية يمكن أن تؤثر بصورة مهمة على نتائج أعمال الشركة أو وضعها المالي، إلا أن الكثير من المتعاملين في السوق خصوصا المضاربين منهم تنقصهم الخبرة الكافية في قراءة القوائم المالية ، وفهم مدلولاتها ، والتي تعطي تصورا واضحا حول حقيقة أداء تلك الشركات ومنطقية أسعار أسهمها، وإنما اعتمادهم في قرارات البيع والشراء على توصيات يتلقونها أو على تحليل محلل فني يبني تحليله على نقاط الدعم والمقاومة بعيدا عن التحليل الاقتصادي أو المالي، بل إن ما يدل على قلة الخبرة إقبال المضاربين على تداول أسهم بأسعار خيالية لا مقارنة بين أسعارها السوقية وبين أداء شركاتها، فضلا أن بعض تلك الشركات قد لا تحقق أرباحا أو معدلات نمو مقبولة، ومع ذلك فإن هذا ليس خطأهم وحدهم، بل ربما يقع الخطأ الأكبرعلى ضعف الشفافية حول طبيعة السوق وحركته.
وبالرجوع للميزانية العمومية لأي شركة والتي تتضمن أصول الشركة والتزاماتها وحقوق الملاك، وكمية الأسهم سواء الممتازة أو المحتفظ بها أو المسموح بتداولها ، وكذلك القوائم المالية ونسبة السيولة وقائمة التدفقات النقدية وحساب الأرباح والخسائر، والملاءة المالية وقدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها – ديونها طويلة الأجل وقصيرة الأجل – ، نجد أن تلك أدوات تساعد على تقييم أداء الشركات واستثماراتها المستقبلية، بل قد يكون العائد على السهم أسهل وأفضل لتقييم أداء الشركة وبالتالي مدى منطقية ذلك مع أسعار أسهمها السوقية.
وبالتالي ربما كان من الأفضل الاستناد لتلك الأدوات والمعايير المحاسبية في تقييم أسعار الأسهم السوقية وتصنيفها إلى أسهم خطرة وأسهم أقل خطورة وأسهم جيدة، وتكون قابلة للتقييم باستمرار، على أن يزود المستثمرون بتلك التصنيفات بصورة يومية.
أن وجود معايير تقارن بين أداء الشركة من خلال تقاريرها المحاسبية وبين سعر سهمها السوقي، تعطي مزيدا من الشفافية وتعزز من ثقة المتعاملين في السوق ، وتدل دلالة واضحة على الرغبة في أن تكون قراراتهم الاستثمارية أقل خطورة في سوق تحركه التوصيات والشائعات وربما تسير به إلى ذكرى 2006 .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال