الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
ظفرت بعض العوائل السعودية إبان تَشَكُّل وجه الاقتصاد السعودي بقصب السبق في الحصول على وكالات حصرية، أو امتيازات تجارية، أو تمثيل تجاري لكبريات الشركات العالمية للسيارات، والمعدات، والأجهزة الكهربية، والتقنية، والأدوية، والأغذية، والأشربة، والمستهلكات، وغيرها؛ وقد بلغ عددها عام 1431هـ 162 وكالة حصرية؛ والأكيد أنها زادت خلال السنوات الماضية؛ وهذه الشركات كانت، ولا تزال تهيمن على المشهد التجاري، وتنعم بما ينهمر عليها من الأرباح الكبيرة من وراء هذا الاحتكار الملبس بالحماية الحصرية؛ وبمقابل ذلك نجد أنها تحررت من المسؤوليات وتنصلت من أداء الحقوق تجاه المستهلك، والمجتمع إلا فيما ندر؛ ولم تقدم أيضا للاقتصاد الوطني قيمة مضافة كبيرة؛ بل تزايدت مع الوقت سلبياتها الاقتصادية والاجتماعية على الفرد والمجتمع والاقتصاد الوطني.
إن الوكالات الحصرية قد ساهمت في تأسيس التجارة، وتدعيم السوق في مراحل سابقة؛ ويحفظ لها التاريخ هذا الشرف؛ إلا أنها لم تعد الخيار الاستراتيجي الأفضل لهذه المرحلة؛ وذلك لأنها لا تخدم رؤية المملكة للمنافسة الشريفة، والسوق الحرة، ومنع الممارسات الاحتكارية، وتعميق السوق؛ كما أنها واضحة الأثر في إخلالها بمبادئ العرض والطلب، ومساهمتها في رفع الأسعار كيفما يريده المستورد، طالما ضمن عدم وجود منافس له؛ ويشير أحد المختصين بالاقتصاد إلى أن الوكالات الحصرية تقف وراء ارتفاع الأسعار بنسبة 30%؛ كما أنها تضر بحق المستهلك في الحصول على السلعة من أكثر من مصدر، ولا تقدم له البدائل المناسبة؛ وبسبب ضمانها للسوق فإن الجودة، والتسعير، وقطع الغيار، والصيانة، والانتشار، وحل الشكاوى، وتلمس رضا المستهلك، تخضع لسياسة المستورد وحده؛ والذي لا يبالي عادة بها لأنه يدرك أن المستهلك له شاء أم أبى؛
وأمام هذه المخاطر فإن من المصالح العليا للمجتمع تفتيت حق الامتيازات المجحفة بحق الوطن، والمواطن؛ وفتح مجال المنافسة، وحمايتها، ورعايتها، بل والدعوة إليها، وتيسير أمورها في جميع مناطق المملكة، ومحافظاتها؛ وهذا من شأنه أن يعمق السوق السعودي، ويؤسس لحركة تجارية تنافسية نشطة، ويخلق كيانات تجارية جديدة في مناطق مختلفة تخلق معها الوظائف، وتشعل المنافسة في الجودة، والسعر، والعروض، وجلب البدائل السلعية، والخدمية إلى السوق المحلي؛ ولعل من أبرز الأمثلة الداعمة لهذا التوجه هو ما لقيه المستهلك من فوائد جَرَّاء كسر احتكار شركة الاتصالات للسوق، بإضافة شركتين أخريين؛ ففي حين كانت شريحة الجوال بعدة آلاف من الريالات، أصبحت الآن تتبارى الشركات الثلاث بمجانيتها، وإضافة المزايا، والهدايا، والتفضيلات عليها؛ سعيا وراء رضا المستهلك.
أعلم جيدا أن كسر احتكار الوكالات التجارية الحصرية ملف مفتوح أمام وزارة التجارة، ومجلس حماية المنافسة، وأعلم أنها ستواجه عقبات كؤود، وتحديات كبيرة، وحملات شعواء؛ من قبل العائلات المحتكرة فليس من السهل المساس بتجار اعتادوا الربح، وتضخيم الثروات لعقود؛ ولكن مصالح الوطن والمواطن فوق كل اعتبار؛ وكل تحد في سبيله شهد مذاب.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال