الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشعر أن أسواقنا أصبحت “مقلباً” لأردأ المنتجات، حتى الماركات العالمية الشهيرة، رغم أن أسعارها هنا مضاعفة الا أن جودتها أقل.
إثراء أثرياء الغفلةتجد في بعض الأسواق أثاثاً فاخراً جدا، وأسعاره مغرية مقارنة بأخرى مضمونة الجودة، وعندما تستخدمه تكتشف أنه ( من بره هالله هالله ومن جوه يعلم الله) بالإضافة إلى الغش في التركيب، والمماطلة في المواعيد، والمستهلك يصبر ويرضى لأنه يمد رجله على قد لحافه) والمكسب ” بالهبل ” في جيب، أو جيوب، المستورد والمورد، والخاسر دائما المستهلك الغلبان!
عندما أرى هذه المشروعات العملاقة التي تقام على مساحات شاسعة من الأراضي أستبشر بها خيراً على أمل أن تكون، أكاديمية فنون تطبيقية، أو معاهد تقنية متخصصة، أو مستشفيات وجامعات خيرية تساند الدولة في قبول الطلبة الذين لم يتحقق لهم حلم دخول الجامعة الحكومية أحياناً لا عن ” خيبة” بل ” خيبة ” المجموع التراكمي، وخسف العلامات عن المعدل المطلوب بينما لا تدقق بعض تلك الجامعات النخبوية في المعدل قدر تدقيقها في الرسوم.
كنت أتمنى أن يكون بعض تلك المشروعات، جامعات خاصة، يتكفل بها الأثرياء، تتحمل جزءاً من الرسوم، ثم تسقط الرسوم اذا أثبت الطالب أو الطالبة نباهة وذكاء وتفوقاً، لتخفيض الطبقية البغيضة التي تصنعها الرسوم المرتفعة، وتسهم في صناعة النخبوية.
كلما مر ناظري على مثل تلك المشاريع التي تقام على مساحات شاسعة ، تباغتني الآمال والأحلام، ربما من بين هؤلاء رجال الأعمال والأثرياء من يحمل بين جوانحه قلباً رحيماً، يخضعه لدواعي الرحمة، وتخصيص أحد هذه المشروعات للتعليم أو الصحة، لكن سرعان ما أجد من يصحح لي خطئي، ويبدد آمالي قبل أن تستقر وتتربع في قلبي، بأن هذا البناء هو مركز تجاري!
مركز تجاري ضخم فخم، لا بأس، بشرط أن يكون المعروض فيه من صنع أيدينا، ومن يعمل فيه هم أبناؤنا!
للأسف، لا شئ من هذا، بل بضائع مستوردة، وبلا جودة في معظمها، بل تشعر أن أسواقنا أصبحت ” مقلباً ” لأردأ المنتجات، حتى الماركات العالمية الشهيرة، رغم أن أسعارها هنا مضاعفة الا أن جودتها أقل، وكأن هناك مواصفات للجودة يلتزم بها المصنع للعالم، ويستهين بنا لأن المستهلك بدون حماية، والتاجر يدرك أن ربحه لن يتأثر، حتى لو ظهرت عيوب في بضائعه فلا يوجد أمام المتضرر غير الحائط يضرب رأسه به أو يشرب من البحر فلا تعويض والبضاعة المباعة لا ترد وحق التاجر مضمون مائة في المائة.
المراكز التجارية، تتكاثر، بالمتسوقين والمتسكعين، رغم كل العيوب والمخاطر الاقتصادية والصحية التي يتعرض لها المواطن، من جراء الاستهلاك الذي يفرغ جيوبه ويزيد فقره وحاجته، ومن الأطعمة التي تنال من صحته، فهو بين أمرين أحلاهما مُر، لأنه بمجرد دخوله ” المول ” لا بد أن ينفق من حر ماله على الشراء أو الطعام والشراب أو الألعاب، والحلويات المعروضة بشكل جذاب يسيل معها لعاب الكبير قبل الصغير.
المشكلة أن المطاعم والحلويات بذلك الشكل المنتشر في المولات يهدد صحة الأطفال والكبار، لان ثقافة ” المولات ” انتشرت وأصبحت هي المتعة الوحيدة حتى في دبي والبحرين تجد أن السعوديين هم من يحتشدون في المولات ويبحثون عن الفندق الأقرب من المول، مع الفارق الكبير، هنا أكل وتسوق فقط ، وإنفاق بدون متعة ولا فائدة، لكن هناك يمكن مشاهدة السينما وأفراد العائلة يجتمعون دون خوف أو وجل يشربون القهوة يأكلون ويتحركون بحرية!
ليت هذا كل شئ لكن الجشع امتد إلى بعض المستشفيات الخاصة التي تطالب المريض بما لا يحتاج إليه من فحوصات بحجة التأكد من سبب الشكوى ويتضح بعد ذلك أن تلك إتفاقية بين الادارة والاطباء لتشغيل الأجهزة والمختبرات والمستهلك يدفع ولا حسد!
رغم كل هذه المراكز التجارية ” المولات ” مازلنا نستورد الابرة حتى الصاروخ، حتى وسائل الاتصالات الحديثة والتقنية التي برعنا في استخدامها وحصدنا درجات متقدمة في قائمة استهلاكها لا نستطيع انتاج أي جزء منها، ومع ذلك هناك من يدعو ومن يفكر لالغاء الكتاب واستبداله بالآيباد كوسيلة حديثة للتعلم.
ماذا نفعل لو توقفت المصانع في الغرب والشرق عن إنتاج هذه الأجهزة، هل تعود الأمية لتتفشى في مجتمعنا مرة أخرى؟
هذه الأمية أخطر، لأن الجيل الذي برع في استخدام تقنية التواصل الاجتماعي يجد نفسه معزولاً محصوراً، ولا يجيد استخدام الورقة والقلم ولا حتى عقله الذي أهملت تنميته.
كلنا مستاء من هذا الاثراء على حساب أمننا وعقولنا وصحتنا ومتعتنا، ومع هذا لا نتوقف عن الاستهلاك والدوران في المولات ومراجعة المستشفيات ودعم ثراء أثرياء الغفلة بآخر قرش في جيوبنا!
نقلا عن المدينة
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال