الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يتساءل الكثير عن الدور الإرشادي للجهات التنظيمية التشريعية في تحقيق مبادئ التنمية المستدامة وعن الاستجابة المتوقعة من قبل الشركات، خصوصاً أن بعض الدول بدأت بإصدار تشريعات أو على الأقل برامج وأطر عمل يمكن اتباعها من قبل الشركات لا سيما المدرجة منها.
ففي ماليزيا، قامت إدارة البورصة بدور استشاري إرشادي موجه للشركات المدرجة لتطبيق أفضل ممارسات الاستدامة، حيث قامت بطرح برامج مستهدفة كان أولها عام 6002، حين تم إطلاق الدليل الإرشادي الأول للمسؤولية الاجتماعية للشركات المدرجة بالسوق، متبوعاً بالمحطة الثانية متمثلة في إعلان رئيس الوزراء الماليزي آنذاك عن إطلاق برنامج لاستدامة الأعمال لجميع الشركات المدرجة، ولا تزال الجهود متواصلة من قبل إدارة البورصة لتحقيق أهدافها، حيث سيتم الإعلان قريباً عن برامج وخطط جديدة.
كما لا يخفى أن الهند كانت في طليعة الدول التي قامت بالإعلان عن استراتيجيات لاستدامة قطاع الأعمال بل ووضع الخطط التحفيزية لذلك. حيث قامت في البداية بحث الشركات التي تبلغ إيراداتها التشغيلية أو أرباحها حدا معينا أن تقوم بتخصيص 6 في المائة على الأقل من متوسط أرباحها للثلاث سنوات الماضية لبرامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية، إلا أن القانون لم ينص على إلزامية التطبيق. وقد كان آخر هذه التشريعات، ما صدر في غرة أبريل لهذا العام، حيث تحصل الشركات على إعفاءات ضريبية على مساهماتها في هذا المجال. إلى أن الهند سرعان ما استدركت أن أي مشروع لاستدامة قطاع الأعمال لا يمكن أن ينجح دون إشراك القطاع ذاته والاستماع إلى مرئياته. لذلك، وجهت الدولة العديد من الخبراء من القطاعين العام والخاص بالبحث والتشاور للوصول إلى صيغة مشتركة تعمل على تحقيق أهداف القطاع العام مع عدم الإضرار بمصالح القطاع الخاص.
وعلى صعيد استجابة الشركات، نجد أن مساهمات الشركات لبناء وتطوير المجتمع في الهند تعود إلى أكثر من قرن مضى وقبل بداية الثورة الصناعية تحديداً، حيث تحدث غاندي عن وجوب مساهمة الشركات في بناء المجتمع. وقد كانت البداية كغيرها من البلدان بتقديم مساعدات خيرية وعطاءات مالية وعينية، لتتحول اليوم إلى مساهمات استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التحديات والمعوقات التي يمر بها المجتمع. فقامت العديد من الشركات بتسخير الموارد البشرية المدربة وتخصيص الميزانيات الكبيرة لتصميم برامج ومبادرات المسؤولية الاجتماعية وبناء استراتيجيتها ضمن استراتيجية الشركة التشغيلية. وليس أدل على ذلك من أن شركة تاتا تعتبر اليوم من أكبر الشركات العالمية وأكثرها تميزاً في مجال المساهمات المجتمعية.
ما نريد قوله بناء على ما سبق، إن الدور الإرشادي من قبل الجهات المختصة متى ما قوبل باستجابة قوية وفعالة من قبل قطاع الأعمال بتبني الممارسات الرائدة المستهدفة والتي يمكن قياس مردودها على المدى المتوسط والطويل، تمكن طرفي المعادلة من تحقيق أهدافهما على النحو المرسوم. حيث إن شركة تاتا، قامت بتطوير إسهاماتها تدريجياً على مدى الأعوام لتلمس العديد من الاحتياجات للمجتمع الهندي. هذه الإسهامات تصبح مع مرور الوقت ومع نشر الوعي بها داخل الشركة بين الموظفين جزءاً من ثقافة الشركة يظهر مردودها جلياً في الأداء التشغيلي. فالشركة التي تستطيع دمج أفضل ممارسات الاستدامة في جميع الأقسام التشغيلية منها وغير التشغيلية هي التي تستطيع أن تصل إلى أهدافها، بل وقبل ذلك كله الاستمرار في بيئة عمل تتميز بالكثير من المتغيرات السريعة والمتطلبات المتزايدة.
ما نريده اليوم هو منظومة متكاملة متناغمة بين القطاعين العام والخاص، يكون المستفيد الأكبر منها هو المجتمع بما تحمله هذه الكلمة من معنى. وتحقيقاً لهذا الدور، نرى أن دور همزة الوصل بين القطاعين والذي لا يزال مفقوداً يمكن أن يؤديه كيان مستقل قادر على الاستغلال الأمثل لموارد الشركات وقدراتها التنافسية، لصناعة أفضل النماذج التي يمكن اتباعها من قبل جميع شركات قطاع الأعمال. وسنتطرق في مقال قادم إلى هذا الطرح وتناوله بالمزيد من التحليل والتفصيل من جميع النواحي سواء من الجانب الإرشادي للقطاع العام أو الجانب التطبيقي لكيانات القطاع الخاص.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال