الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خطت وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية قبل أسابيع خطوة ربما هي الأكبر تمويليا في تاريخ المملكة. ملخص الخطوة إبرام الصندوق اتفاقية مع البنوك ومؤسسات مالية أخرى بغرض إتاحة الفرصة للناس بالحصول على قرض الصندوق وقرض المؤسسة المالية آنيا، أو ما بات يعرف بالقرض الإضافي. ترتيبات هذه الاتفاقية أخذت بين عدة جهات وقتا طويلا.
مبدئيا، القرض الإضافي مطلب منذ زمن، نظرا لقصور قرض الصندوق عن سد الحاجة التمويلية للسكن في أغلب الحالات. وكنت قد تعرضت له في دراسة عن السياسات الإسكانية نشرت في المجلة الاقتصادية السعودية، عدد أكتوبر 2008. لكن ذلك المطلب له آثار حسنة وسيئة.
هذا المقال لا يتبنى رؤية نحو القرض الإضافي مدحا أو ذما، بل يوضح آثارا لتطبيقه بغض النظر عن الرغبة فيها أو عنها.
أول تأثير مؤكد تقوية أو زيادة الطلب على الإسكان. أتوقع أن هذا ليس موضع خلاف. بافتراض منح الصندوق نحو 50 ألف قرض سنويا، وبافتراض متوسط تمويل إضافي للمقترض قدره 800 ألف ريال، فهذا يعني تمويلات إضافية في حدود 40 مليارا سنويا.
ماذا تعني زيادة الطلب؟
هناك أكثر من معنى. من هذه المعاني مساهمة سياسة القرض الإضافي في زيادة نسبة تملك سكن تكلفته أكثر من نصف مليون ريال. ستتاح الفرصة لأعداد أكبر بالحصول على مساكن أنسب من شقق. لم يستفد كثيرون من قرض الصندوق لأنه لم يساعدهم على تأمين ما يرونه مسكنا مناسبا، أو قريبا من المناسب. ونشأت سوق سوداء لبيع قروض الصندوق. لكن القرض الإضافي سيسهل على كثيرين الحصول على مسكن مناسب نسبيا.
بالمقابل، ستزيد مديونية المواطنين للمنشآت المالية وخاصة البنوك التجارية. الناس مثقلون بالقروض، والقروض الإضافية تزيد الثقل. تساهل البنوك ومعها مؤسسة النقد في حجم القروض نسبة إلى الرواتب تزيد المشكلة. حيث تعطي البنوك قروضا عقارية لموظفي الحكومة وبعض موظفي القطاع الخاص، تصل أقساطها الشهرية إلى نصف راتب الموظف بل ربما تزيد في أحيان كثيرة.
من المعاني أن القرض الإضافي يسهم في بقاء أسعار الأراضي مرتفعة. الناس تئن من غلاء الأراضي، والقرض الإضافي يسهم في توطيد هذا الغلاء. طبعا هذا التوطيد مبني على استبعاد حدوث تقلبات أو تغيرات اقتصادية معاكسة التأثير على المدى المتوسط كانخفاض أسعار النفط انخفاضا كبيرا، أو فرض ضرائب على الأراضي البيضاء.
من المعاني أو الآثار زيادة استفادة المؤسسات المالية المقرضة، ومؤسسات التطوير العقاري، نتيجة زيادة الطلب على منتجاتهم.
زيادة الطلب على التمويل يقابلها توقع زيادة تكلفة الاقتراض من البنوك. كيف؟ ظهرت علامات ارتفاع ولو أنه بسيط في أسعار الفائدة أو الربحية. ومن المتوقع استمرار ارتفاعها على المدى المتوسط، تبعا لارتفاعها النسبي في الأسواق العالمية، إثر التطورات في الاحتياطي الأمريكي نحو التقليل من التيسير الكمي.
هل يعمل القرض الإضافي على صنع مشكلة سداد؟
يتوقع كثيرون حدوث ذلك، نتيجة زيادة مديونية الناس، دون أن تواكبها زيادة مشابهة في الدخول. ومن ثم، يرون أن احتمال التعثر يزيد. وكثرة حالات التعثر مطية أزمة مالية في البلاد، لها تبعات اقتصادية عنيفة، توضيحها خارج المقال. وفيما حصل عند غيرنا درس وعبرة. لكنني لا أتوقع ذلك على المدى المتوسط. أما على المدى البعيد فيعتمد على مسار أسعار النفط ومسار سياسات الحكومة الإسكانية، وهل ستفرض ضرائب على الأراضي البيضاء أم لا.
مثلا، لو انخفضت أسعار النفط انخفاضا كبيرا (قل مثلا انخفضت إلى نحو 70 دولارا للبرميل) واستمرت على ذلك سنوات، أي فترة طويلة، لتعرضت المالية العامة إلى متاعب، ولانخفض النمو الاقتصادي، والدخل الوطني. وتبعا لذلك، ستتضرر دخول الناس، مما سيزيد من حالات التعثر عن السداد، خاصة إذا توسع الصندوق ومن ثم البنوك في الإقراض.
مستبعد حدوث ذلك على المدى المتوسط. أما على المدى البعيد فالتنبؤ به تحيط به صعوبات. ولكن من الحكمة ضبط البنوك في قدرتها على الإقراض العقاري، بحيث تقلل نسبة القسط إلى الراتب، مقارنة بما هو معمول به الآن. ولكن هذا التقليل لا يتوقع له النجاح ولا أظن أن الناس، وأعني بذلك الأغلبية، تحبذه بمعزل عن تبني سياسات أخرى تخفف تكلفة الحصول على سكن، أو تسهم في توفيره لنسبة كبيرة من الناس بأسعار منخفضة نسبيا. وستبدي لنا الأيام ما نجهله الآن.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال