الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تزامنا مع قرب دخول شهر رمضان المبارك بدأت أسعار المنتجات الاستهلاكية وخصوصا الغذائية بالارتفاع بشكل جنوني، وقد بدأت فعليا هذه الأزمة المعتادة سنويا مع قضية ارتفاع أسعار منتجات حليب الأطفال الرضع مؤخرا وتوجه وزارة التجارة والصناعة الأسبوع الماضي إلى تحديد أسعارها من خلال إخضاعها لأحكام قواعد التنظيم التمويني في الأحوال غير العادية وتحديد الحد الأعلى لأسعار تلك المنتجات، وجاء القرار بناء على ما رصدته الوزارة في جولاتها الرقابية والتفتيشية من ارتفاعات غير مبررة لأسعار تلك المنتجات بالمقارنة مع الدول المجاورة ونتيجة ممارسات تسويقية واتفاقيات مخالفة وعدم انعكاس الإعانة المقدمة من الدولة على أسعار هذه المنتجات.
لا شك أنها خطوة قانونية جيدة من الوزارة في التصدي لغلاء الأسعار، خاصة في ظل قوانين منظمة التجارة العالمية واشتراطات الاقتصاد الحر التي تمنع الحكومات من التدخل في عمليات البيع والشراء والتسعير، والتي باتت تفرض علينا منذ أن أصبحت المملكة العضو رقم 149 في هذه المنظمة منذ 11 نوفمبر 2005 أي قبل قرابة تسع سنوات، ووفقا لآليات وقوانين المنظمة فإن الأسعار تتقرر حسب العرض والطلب وبدون أي تدخل من الدولة، ولكن هل هذه هي المعضلة الحقيقية لارتفاع الأسعار لدينا؟! وهل بإمكان وزارة التجارة والصناعة ضبط أسعار منتجات استهلاكية أخرى على غرار تحديد أسعار حليب الأطفال؟!!
قضية الأسعار المعومة في أسواقنا ربما تقع في ظاهرها على عاتق قانون العرض والطلب الذي تفرضه علينا منظمة التجارة العالمية، وهو ما فتح المجال أمام التجار بالبيع وفق الأسعار التي يريدونها ومن دون أن تستطيع أي جهة محاسبتهم أو مراقبة أسعارهم، وكل ما تفعله وزارة التجارة هو أن تطلب من التاجر وضع السعر على المواد التي يبيعها، وحتى هذه لا يقوم مراقبوها بضبطها بشكل صحيح فهنالك آلاف التجار الذين لا يضعون أسعارا على معظم المواد التي يبيعونها في المحلات التجارية.
ولكن هذا ليس حقيقة واقع الأمر في باطنه، ولا يجب أن نضع اللوم في قضية ارتفاع أسعار المنتجات الاستهلاكية على عاتق قوانين منظمة التجارة، فأسعار المواد الغذائية في أسواقنا باتت ترتفع بشكل مستمر وبعض هذه المواد ترتفع أسعارها بشكل غير منطقي وغير مبرر ولا يتوافق مع الأسعار في الأسواق المحيطة بنا إقليميا وعالميا ، ونستشهد في ذلك بأسعار الحليب التي ارتفعت لدينا خلال الشهرين الماضيين بمعدلات قياسية استدعت تدخل وزارة التجارة، ولكن على النقيض تماما ، فعلى الصعيد العالمي بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة لأسعار منتجات الألبان ومن ضمنها حليب الأطفال 238.9 نقطة في شهر مايو الماضي، وهو ما يمثل ثاني هبوط شهري حاد وتراجعا بلغ 12 نقطة (أي 5 في المائة) عن مستويات الشهور التي سبقته من العام الميلادي الجاري، وذلك بسبب قلة المعروض للتصدير، بحسب تقدير المنظمة التي تتوقع استمرار تراجع الأسعار خلال الشهر القادم.
ومعنى ذلك، أن آلية تقييم أسعار المنتجات هنا في المملكة لا تخضع في الواقع لمعايير العرض والطلب، بل تخضع لأمور أخرى غالبيتها غير نظامية، ومن أبرزها سياسة «الاحتكار» التي يتحكم من خلالها عدد قليل من التجار والشركات في أسعار المنتجات الاستهلاكية وعلى رأسها الغذائية، وهي طريقة غير نظامية ومن المؤكد أنها انتشرت نتيجة لغياب أو ضعف الرقابة المفروضة من قبل وزارة التجارة والصناعة والجهات ذات العلاقة من ناحية، بالإضافة إلى وجود ثغرات في اللوائح من ناحية أخرى.
والمفترض أن هناك قوانين مطبقة ومفعلة تمنع الاحتكار في الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وهذه القوانين هي التي تجعل الأسواق في تلك الدول تخضع لقانون العرض والطلب بشكل صحيح، فلا يستطيع أي تاجر أو مستورد أن يحتكر أي نوع من أنواع السلع ومخالفة هذه القوانين في الدول المتقدمة تقدم كل من يثبت أنه يحتكر سلعة معينة للمحاكمة، أما لدينا فالاحتكار أقرت وجوده العديد من الجهات الرسمية سواء الزراعة أو التجارة أو المالية، ومع ذلك لم يكن هناك أي توجه عملي أو سياسة واضحة لوقف هذه الاحتكارات.
وخلاصة القول .. هي أننا نجحنا في الحصول على عضوية منظمة التجارة العالمية باعتبار أن الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية العالمية وفتح مجالات الاقتصاد الحر وفق معايير المنظمة كان ضرورة لتحقيق الاندماج مع الاقتصادات العالمية وتحقيق بيئة تجارية عادلة أيضا ، ولكننا فشلنا عمليا في التطبيق بمجرد ترك ثغرات سمحت للتاجر في أي قطاع استثماري بالاحتكار وما نتج عنه من تضخم غير منطقي في الأسعار، وقضية أسعار الحليب نموذج حي على ذلك، ويتبعها آلاف أخرى من القضايا المشابهة بحاجة إلى أجهزة رقابية صارمة وقوانين تفكك أغلال هذا الاحتكار قبل أن تقضي على المستهلك.
نقلا عن عكاظ
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال