الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
تناقلت بعض وسائل الإعلام المسح الذي أجرته رويترز لآراء بعض المحللين حول أسعار النفط المتوقعة في الفترة القادمة، وخلص المسح إلى توقعات بانخفاض الأسعار خلال النصف الثاني من العام الحالي 2014، وأن يستمر بالانخفاض خلال العامين القادمين، وأرجع المحللين ذلك الانخفاض إلى زيادة في الإنتاج وتباطؤ محتمل في نمو الطلب على السلع،..انتهى
وبلا شك أن ذلك لو حدث سيؤثر سلبا على اقتصاديات الدول النفطية خصوصا التي تعتمد اعتماد كبيرا على إيرادات النفط في وضع ميزانيتها وخططها التنموية.
ولكي نقف على مدى احتمال حدوث ذلك كان من المنطق السير في اتجاهين أولهما يتعلق بالسوق النفطية ذاتها والتعاملات التي تحدث فيها، والآخر يتعلق بنظرة اقتصادية تاريخية موجزة لمؤثر قد يكون السبب الرئيس ، الذي أدى إلى ارتفاع أسعار النفط حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم، وكل ذلك يتطلب قدرا كبيرا من التحليل والمقارنات لأبرز الاقتصاديات الصناعية الكبرى، وهذا لا تكفيه مقالة وحدة، بل يتطلب الأمر عدة حلقات أوضح للعرض وتيسيرا للقارئ ، وفي هذا المقال سيكون حديثنا حول السوق النفطية.
فبالرجوع للبيانات التقديرية الصادرة من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، والمتعلقة بمتوسط كمية الإنتاج والاستهـلاك اليومي العالمي من النفط مـن 2000– 2013 ، وكـذلك متـوسط الأسعـار السنـوية لكل من خـامي ويست تكساس (WTI : West Texas Intermediate ) و برنت (Brent)، فمن خلال الشكل أدناه، نجد شبه استقرار بين متوسط كميتي الإنتاج والاستهلاك العالمي اليومي من النفط، بين عامي 2000 – 2002 – وقد يحدث عجز أو فائض في بعض الفترات – ، يقابله شبه استقرار في الأسعار في نفس الفترة ، حيث كان متوسط السعر متذبذب بين 25- 30 دولار للبرميل، ومع بداية 2003 أخذت الأسعار في الصعود حتى بلغ أعلى سعر 145 دولار للبرميل 2008، بينما بلغ متوسط السعر بنهاية العام نفسه 100 دولار للبرميل، ثم انخفضت الأسعار انخفاضا حادا في عام 2009 حتى وصل متوسط السعر 60 دولار للبرميل، وهذا – بزعم الاقتصاديين – نتيجة للأزمة العالمية التي ضربت الاقتصاد العالمي عام 2008 ، مع أن متوسط الإنتاج أنخفض في 2009 عنه في 2008 بمقدار 1.3 مليون برميل، بينما حدث العكس لمتوسط الاستهلاك فقد زاد عن 2008 بمقدار 250 ألف برميل ، وهذا مؤشر منطقي في أن تحافظ الأسعار على مستوياتها في 2008 ، أو على الأقل أن تنخفض انخفاضا مقبولا ، لا أن يكون الفارق 40 دولار للبرميل.
ورغم ذلك يجعلنا لا نخفي تساؤلات في غاية الأهمية قد تصعب الإجابة عليها معا في مقال واحد، لذا كان من الأفضل أن نجعل الإجابة عليها في سلسة قادمة تحت عنوان هذا المقال. ومن تلك التساؤلات
*ما سبب الزيادة الكبيرة والانخفاض الحاد في الأسعار رغم الاستقرار الكبير بين الإنتاج والاستهلاك ، بل قد *تكون الأسعار مرتفعة رغم وجود فائض من النفط؟
*هل هناك أسباب أدت لهذه الموجه من الأسعار ؟
*هل سيحدث انخفاضا في أسعار النفط مستقبلا ؟
في هذا المقال سنكتفي بالإجابة حول التساؤل الأول والمتعلق بأسعار النفط ، على أن نستكمل بقية الإجابات في السلسة القادمة من هذا المقال بإذن الله.
عند الحديث عن النفط كأي سلعة يبرز لنا قانون – العرض والطلب – ، وكيف أنهما أكثر تأثيرا في تحديد الأسعار، فكما هو معلوم أن ارتفاع الطلب في مقابل العرض يؤدي أن تتجه الأسعار للارتفاع، والعكس يحدث للسعر إذا كان العرض أكبر من الطلب، ولكن معرفة السوق النفطية وطريقة التعاملات التي تتم فيها قد يجعلنا نطرح تساؤلا ما إذا كان للعرض والطلب دور في التأثير على الأسعار أم لا !
إن السيناريو المتبع في السوق النفطية مبني على ما يسمى بالعقود الآجلة Forward Contracts أو العقود المستقبلية Futures Contracts ، مع اختلاف بين بنودهما، وحتى ندرك حركة تلك الأسعار أو تذبذبها، بل حتى صعودها لتلك المستويات العالية ينبغي التطرق لذلك النوع من العقود بشكل عام ومختصر دون التطرق لأنواع العقود الأخرى التي تندرج تحتها كعقود الخيارات Options والتي أصبحت الأكثر شيوعا في السوق النفطية.
فالعقد الآجل (ورقة مالية) يكون بين طرفين – البائع والمشتري – يتم بموجبه الاتفاق حول بيع أو شراء كمية محددة من سلعة معينة وبسعر محدد (عادة سعر السوق أثناء العقد) ، على أن تتم التسوية – استلام قيمة السلعة واستلام السلعة -مستقبلا، وبصرف النظر عن سعر تلك السلعة وقت التسوية.
وللتوضيح أكثر للقارئ فإن ما يحدث في السوق النفطية هو عقد آجل لشراء كمية معينة من النفط (كل عقد كمية معيارية تعادل 1000 برميل)، وبسعر محدد وقت العقد (سعر السوق ) على أن تتم التسوية في تاريخ معين مستقبلا
لكن السؤال ماذا يحدث بعد توقيع العقد !؟
بعد أن يتم توقيع العقد يبدأ المشتري بالبحث عن مشتر آخر لذلك العقد، وكون تلك العقود الآجلة والتي تمتد فترة تسويتها بضعة أشهر، جعل منها ورقة مالية يتم تداولها في البورصة، فكانت العقود التي يجري توقيعها وتداولها أكبر بكثير من تلك التي يتم تسويتها ، مما جعلها هدفا للكثير من المضاربين والاستفادة من تقلبات الأسعار وما يبث من أخبار تصب في مصلحة المضاربين تزيد حدة المضاربات قد يحقق البعض منها ربحا أو خسارة حسب حركة السوق.
والشكل أدناه يبين تزايد أعداد العقود الآجلة للنفط حسب بيانات الربع سنوية لبورصة نيويورك والتي لم تتم تسويتها – تسليمها – وتأثير تداولها على أسعار النفط.
إن تلك العقود التي أصبحت مرتعا للمضاربين، تخضع لأهدافهم وسياستهم ، قد أدت إلى أن تتجه الأسعار نحو الارتفاع، ولم يعد يؤثر فيها قانون العرض والطلب.
ورغم ذلك، قد يتبادر إلى الذهن تساؤلا مهما عن السبب الذي جعل المضاربين يقبلون على السوق النفطية والاستثمار فيها مع علمهم بخطورتها العالية، وتأثرها الشديد بما يحدث في العالم من اضطرابات سياسية أو تصاريح تفاؤلية، تجعل من أسعارها سريعة التذبذب، قد يتعرض الكثير إلى خسائر فادحة.
في المقال القادم بإذن الله نجيب على هذا التساؤل المهم من خلال الغوص في أكبر اقتصاديات العالم وأكثرها تأثيرا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال