الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بداية سنوجز ما ذكرناه في الجزء الأول والثاني من هذا المقال ، ففي المقال الأول تكلمنا عن السوق النفطية وكيف أن تلك البورصة تسلل إليها المضاربين نتيجة لغياب المحفزات في الاقتصاد الأمريكي ، فأصبحت أسعار النفط تخضع لسياسات المضاربين أكثر من خضوعها لقانون العرض والطلب، ثم أجبنا في الجزء الثاني حول السبب الرئيس في ازدياد نشاط المضاربين في السوق النفطية رغم خطورتها، وأن ذلك في رأيي يُعزا إلى انخفاض معدلات الفائدة الأمريكية والتي أثرت على الدولار وسعر صرفه في مقابل العملات الرئيسة الأخرى، كما أن ذلك أيضا أنعكس على بورصة الذهب حتى بلغ السعر 1900 دولار للأونصة.
والشكل أدناه يبين العلاقة بين معدلات الفائدة الأمريكية وكلا من سعر النفط والذهب .
وفي هذا الجزء الأخير سنحاول الإجابة حول أسعار النفط المتوقعة مستقبلا ، وهل ستتجه الأسعار للنزول أم لا؟
إن المتأمل في هذا السؤال لابد أن ينطلق في إجابته من مسارين ، الأول المسار السياسي، الثاني المسار الاقتصادي.
ففي المسار السياسي ينبغي الأخذ بعين الاعتبار عدة أمور لها تأثيرها على السوق النفطية ، منها الأزمة الروسية الأوكرانية ، والقلق في الشرق الأوسط ، فعادة تنتهج الأسعار نهجا مقاربا لتلك الأحداث التي تحدث على الساحة الدولية.
أما المسار الاقتصادي، فقد رأينا ذلك من خلال تأثير معدلات الفائدة الأمريكية على معدلات الفائدة لبعض اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى، بخلاف بقية الاقتصاديات الأخرى والتي ينعكس ذلك على اقتصادياتها أيضا، فغياب المحفزات في الاقتصاد الأمريكي الناتجة عن انخفاض معدلات الفائدة والتي قاربت الصفر لأكثر من 5 سنوات جعلت منه مصدر قلق للمستثمرين والمضاربين الأمر الذي جعلهم يتجهون لأسواق أخرى قد تكون بديلة لبعض الوقت أملا في أن يتعافى الاقتصاد الأمريكي وتعود معدلات الفائدة إلى معدلاتها المقبولة.
وحتى نبين أي المسارين أكثر تأثيرا في حركة الأسواق النفطية ، نشير بداية إلى معدلات النمو في أغلب الدول الصناعية، فمن خلال بيانات معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي لبعض الدول الصناعية ودول الاتحاد الأوروبي والموضحة في الشكل أدناه، نرى معدلات النمو قبل الأزمة العالمية أفضل مما هي عليه بعدها، خصوصا في لصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي وكذلك اليابان.
إن انخفاض معدلات النمو تعطي إشارة واضحة إلى ما تعانيه اقتصاديات تلك الدول من آثار الأزمة العالمية، وبلا شك له انعكاساته على أسعار الطاقة.
ومن خلال التصريحات التي مازال يبثها المسئولين في الاحتياطي الفيدرالي بين الحين والآخر إلى عزم الاحتياطي رفع أسعار الفائدة خلال العام القادم لتصل حسب التوقعات إلى 2.3 % في 2016 ، وهذا من شأنه أن يحدث ردة فعل في الأسواق والبورصات العالمية ، ومن ضمنها النفط.
وبالنظر للمسارين السابقين نرى أن أكثرهما تأثيرا على أسعار النفط مستقبلا هو سعر الفائدة، والسبب في ذلك يعود إلى عدة أسباب منها:
أن سعر الفائدة ذا تأثير كبير على حركة رؤوس الأموال والتي بطبيعتها تتبع الفرص الاستثمارية المحفزة والأقل خطر، بخلاف أسواق النفط التي تكتنفها الكثير من المخاطر، وبذلك قد يكون الاقتصاد الأمريكي جاذبا للمستثمرين والمضاربين، كما أن سعر الفائدة قد ينعش الطلب على الدولار فيحقق مستويات إيجابيه في سعر صرفه مقابل العملات الأخرى.
أن اتجاهات سعر الفائدة في أغلب الدول الصناعية تسير تقريبا في اتجاه معدلات الفائدة الأمريكية، وفي حال اتجهت أسعار الفائدة الأمريكية للارتفاع قد يجبر الدول الأخرى إلى اتخاذ نفس النهج، وهذا يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الائتمان الأمر الذي سينعكس سلبا على مكونات الطلب الكلي والمتمثل في الإنفاق الاستثماري، وتأثيره على بقية المتغيرات كالإنفاق الاستهلاكي، وبالتالي انخفاض الطلب على السلع والخدمات، مما يجعل معدلات البطالة تنحى منحنى صاعدا، ومن ثم انخفاض في معدلات النمو والتي ستلقي بظلالها على أسعار النفط مستقبلا.
أن العقود النفطية التي يجري تداولها يوميا ولم تتم تسويتها تحوي كميات هائلة من النفط تفوق إنتاج العالم اليومي ، فحسب إحصائية بورصة نيويورك بلغ متوسط عدد العقود التي لم تتم تسويتها في 2014 تقريبا 1.6 مليون عقد ، أي ما يوازي مليار وست مئة مليون برميل، وقد يسعى أصحابها إلى الإسراع في التخلص منها نتيجة للقلق الذي بدأ يحوم حول البورصات العالمية، مما يزيد من كميات العقود المعروضة والتي قد تؤدي إلى انخفاض في الأسعار.
ورغم ذلك ينبغي أن لا نغفل السياسة التي قد تنتهجها الدول المنتجة تجاه الأسعار في حالة انخفاضها، إلا أنها قد تكون شبه مقيدة، في ظل ضعف التوافق بين سياسات الدول النفطية.
وربما والعلم عند الله أن تبدأ أسعار النفط في الانخفاض تدريجيا في الربع الأخير من هذا العام، بناءا على تصريحات الاحتياطي الفدرالي حول عزمه خفض شراءه للسندات ورفع معدلات الفائدة أوائل 2015.
ولكن السؤال الذي قد يحتاج إلى إجابة، ما تبعات ذلك على اقتصاديات الدول النفطية وخصوصا دول الخليج ، والقطاع المصرفي بالذات، ربما نتطرق عن ذلك في مقال قادم بإذن الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال