الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
فجَّرت وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها نصف السنوي لعام 2014، مفاجأة لم تكن متوقعة. تنبأت بأن الطلب العالمي على النفط، (ولم تقل على الطاقة)، سيصل ذروته في نهاية العقد الجاري ثم يتدرج نحو الانخفاض، رغم إدراكها بموجب تقاريرها أن نمو الطلب في حالة صحية جيدة. ونحن نكاد نجزم، من واقع الحقول التقليدية المنتجة حاليا، أن شحا مخيفا في الإمدادات النفطية ربما يتعرض له العالم خلال العقدين المقبلين. ووكالة الطاقة، بعلمائها وخبرائها وخيلها ورجلها، تتنبأ بعكس ذلك تماما! أما الأسباب التي تذرعت بها الوكالة في حكمها على انحسار الطلب على النفط، فلا نعتقد أنها كافية لإقناع المجتمع الدولي بما توصلت إليه من نتائج غير منطقية. فقد ذكرت ثلاثة عوامل، تلوث البيئة الذي يتطلب الحد من استخدام الوقود الأحفوري واحتمال الانصراف عن المواد النفطية بسبب ارتفاع أسعارها. ولم تذكر الوكالة إلى أي مصدر من مصادر الطاقة سيكون الانصراف في ذلك الوقت المبكر، عام 2020؟ فالمنتجون الذين يعتمد اقتصادهم إلى حد كبير على النفط، لن يتركوا الزبائن ينصرفون ويعزفون عن بضاعتهم الوحيدة بسبب ارتفاع الأسعار. وسيقومون حتما بخفض السعر إلى المستوى الذي يتناسب مع أحوال الزبون المالية، من أجل ألا يفقدوا دخلهم. فما رأي وكالة الطاقة؟ وذكرت وكالة الطاقة عاملا ثالثا، وهو التحول إلى الطاقة المتجددة كبديل للمشتقات النفطية. وهذا أيضا غير منطقي، لأنه من غير المحتمل أن يكون للمصادر المتجددة دور كبير في تركيبة مصادر الطاقة خلال السنوات الخمس المقبلة، وهي فترة قصيرة لا تكفي لإعطاء مجال لتغيير كبير عن الوضع الحالي.
وقد تحدثنا في أكثر من مناسبة عن مدى مصداقية التقارير والدراسات الدورية التي تصدرها مؤسسات دولية معتبرة حول مستقبل مصادر الطاقة في العالم، وعلى رأسها وكالة الطاقة الدولية التي من المفترض أنها تخدم مصالح ما يقرب من 30 دولة غربية وشرقية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. وذكرنا أن تلك المؤسسات، وبالذات وكالة الطاقة، لم تكن في معظم الأحوال تتحدث بالحيادية والشفافية المطلوبتين. ناهيك عن عدم دقة نتائج دراساتها المبنية على معلومات غير مؤكدة ومبالغ في تضخيمها. ومن المؤكد أن ذلك أو معظمه كان معروفا لدى الكثيرين. ولكن الذي يهمنا في هذا المقام هو تعدد تغيير المواقف من وقت إلى آخر فيما يتعلق بأمور استراتيجية ومصيرية، دون أن تبدي مبررات جوهرية تؤيد ما تذهب إليه.
فقد أشارت وكالة الطاقة الدولية قبل سنوات، وعلى استحياء، على لسان مسؤوليها إلى أن إنتاج النفط التقليدي قد بلغ ذروته في عام 2006. وأنها لا تتوقع زيادة كبيرة في الإنتاج بعد ذلك التاريخ. وسيظل مستوى الإنتاج ثابتا لعدة سنوات خلال مرحلة ما يسمى “البلاتو”. ثم بعدها يبدأ الانخفاض التدريجي للإنتاج. وهو أمر طبيعي ويمثل عين الواقع. ولكن يظهر أنها تحاول التنصل من ذلك الموقف. وقد فوجئ العالم قبل أربع سنوات بإنتاج النفط الصخري نتيجة لوصول الأسعار إلى مستوى ما فوق 100 دولار للبرميل. ولا يخفى على وكالة الطاقة أن إنتاج الصخري في الوقت الحاضر، وعند المستوى الحالي للأسعار، ظاهرة أمريكية، وليس من المحتمل أن يكون إنتاجه خارج أمريكا اقتصاديا، حتى تصل الأسعار إلى مستوى أعلى بكثير من السعر السائد اليوم. ويعلمون أيضا أن الإنتاج الصخري في أمريكا قريب من بلوغ الذروة، عند حدود خمسة إلى ستة ملايين برميل في اليوم. ونحن نضيف، أن إنتاج النفط التقليدي يفقد أيضا سنويا أكثر من ثلاثة ملايين برميل نتيجة للنضوب الطبيعي. وهذه الشواهد تجعلنا لا نتوقع أي تأثير ذي قيمة على مسيرة مستقبل الإنتاج العالمي من جميع أنواع النفوط المتوافرة اليوم، ولا على ما استنتجته وكالة الطاقة من بلوغ ذروة الإنتاج. فالأمور تسير نحو طريق واحد وفي اتجاه واحد، وهو النضوب الذي لا مناص من قبوله ووجوب الاستعداد لما بعده. فبالنسبة لنا كمنتجين، الخوف إذا ليس من الاستغناء عن النفط بل من نضوبه، وهذه حقيقة نتمنى أن يستوعبها الجميع.
ومن باب التذكير، فإن وكالة الطاقة الدولية هي التي كانت، قبل عشر سنوات، قد تنبأت بأن الطلب على النفط عام 2030 سيكون في حدود 115 مليون برميل، ثم تراجعت عن ذلك الموقف. وأشارت في آخر تقرير لها إلى أن الطلب سينمو، بمعدل مليون وثلاثمائة برميل سنويا، من 91 مليونا في 2013 إلى 99 مليونا في عام 2019. وهنا، حسب آخر موقف للوكالة، تتوقف عجلة نمو الطلب على المواد النفطية فجأة وبدون سابق إنذار، ويتحول إلى انخفاض تدريجي. والسؤال الذي يفرض نفسه، ما الدوافع التي أوحت لوكالة الطاقة الدولية أن تتبنى، في هذا الوقت المبكر، مثل هذه المواقف التي لا يقبلها العقل؟ نعم، عندما تصل تكلفة الإنتاج النفطي إلى مستوى خيالي، مع توافر بديل مناسب وبكمية كافية، فمن الممكن أن يتحول الطلب إلى البدائل الجديدة والمتجددة. ولكن ذلك بعيد الاحتمال خلال المستقبل المنظور. وهل هي محاولة مبكرة من الوكالة للتأثير على مستقبل الأسعار، التي من المؤكد أنها ستستمر في الارتفاع؟
نقلا عن صحيفة “الاقتصادية”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال