الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أصبح من المألوف مشاهدة المتسولين يتقاطرون على المركبات في الإشارات المرورية، وينتشرون في الأسواق والأحياء ويطرقون أبواب المنازل، ولكن غير المألوف رؤيتهم يتسولون الطعام باستحياء ويخشون نظرات الناس.
أمام مسجد شهير في جدة، الكل يغادر بعد انقضاء صلاة التراويح، وفي المخرج طفل لم يتجاوز السابعة من عمره يقدم يده للمصلين، ويردد: «ما أبي فلوس، نبي نأكل!!»، وقعت الكلمة في مسمعي ووقفت جانبا لمشاهدة الصغير، الذي تارة يخاطب الناس وتارة يعود لأمه الواقفة أمام المسجد وممسكة بطفل في الرابعة من عمره تقريبا.
دفعني فضولي لاستقصاء ما وراء الطفل الذي يرفض النقود، فسألته: «هل أنت جوعان؟ هل أحضر لك طعام؟». فرد ببراءة الصغار: «أفطرنا قدام المسجد؟»، قلت له: «ولماذا تطلب الناس؟». فنظر تجاه أمه وتلعثم في الكلام، سألتها ذات السؤال، فخرت باكية، وقالت: «البيوت أسرار»، وزادت: «ما ذنب الصغار أن يتعودوا على التسول؟»، كفكفت دموعها وأخرجت من تحت عباءتها صك تحمله في يدها مفاده أنها حصلت على حضانة طفليها ولا يوجد لديها دخل يعينها على مصاريفهم أو منزل يؤويهم في ظل تخلي أسرتها عنها.
تلك السيدة المكلومة عادت إلى منزل والدها «معلقة»، لم تحصل بعد على صك الطلاق، كون قضيتها متشعبة وبطلها أب تجرد من أبوته وتخلى عن أطفاله ويماطل في جلسات المحكمة وشكا زوجته بأنها سرقت مكيفات الشقة التي قطنوا فيها، وهي (حسب قولها) أم لم تسرق، بل اضطرت أثناء طردها من منزلها لأخذ الأشياء التي أحضرتها بما فيها المكيفات التي اشترتها بعد أن باعت حليها لتأثيث المنزل، وهو الأمر الذي دفع الزوج لتقديم شكوى يدعي فيها على زوجته بالسرقة، القصة لم تنته؛ لكونها في أروقة القضاء وكل جلسة يتأخر فيها تحصل على موعد جديد بعد عدة أشهر، وهكذا..!!
تعود الأم لمنزل والدها الذي يقطن مع زوجته المسنة ويعيشون على راتب تقاعدي يكاد لا يكفي لمتطلباتهم، ووكانت المفاجأة القاتلة، أخبر الأب ابنته بقرار يصعب عليها تحمله أو مجرد التفكير بقبوله: «اصرفي على طفليك أو أعيديهم إلى والدهم وتخلي عن الحضانة»، وأمام هذا القرار اضطرت للخروج من المنزل كل يوم وقت الغروب للحصول على وجبات إفطار صائم، وما يتصدق به الناس عليها وعلى أطفالها، وترفض النقود حتى لا تشعر أنها متسولة.
هذه حالة ضمن عشرات أو مئات الحالات التي يكون فيها الضحايا أطفال أبرياء، وقد يدمر مستقبلهم بسبب خلافات كان الأجدر احتواءها من أسرة الزوجين ومن الأب والأم قبل أن تصل للشارع وتتحول إلى جريمة اجتماعية بامتياز، قد تبدأ بالتسول ولكنها قد تنتهي بجريمة كبيرة أو انحراف لأطفال أو لشبان وفتيات لا ذنب لهم، وجرائم الأحداث كثيرة، والأسباب تعود في غالبيتها لانفصال الزوجين، فمن يحمي هؤلاء؟ ومتى يعي الآباء هذا الخطر الذي يهدد الفرد والمجتمع؟.
-نقلا عن “عكاظ”
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال