الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خرجت في السابق إشاعة تدعي وصول سمك القرش الأبيض ــــ الشرس جداً ــــ إلى البحر الأحمر والخليج العربي، إلا أن المفترس الشرس موجود في الحقيقة على البر وليس داخل البحر! كما يفتك القرش الأبيض بصغار وضعاف الأسماك هناك من يفتك بالمتعثرين، مستغلاً جهلهم وضعفهم، وهذا هو قرش الدين Loan Shark الأسود الذي يفتك بالمعسرين والمتورطين ليصبح من الموسرين والمستفيدين.
لم تعد إعلانات سداد التعثر ملصقة على أجهزة الصراف فقط، وإنما هناك مواقع على شبكة الإنترنت تجمع قوائم وأدلة مقدمي هذه الخدمات وترسل إعلاناتها المدفوعة إلى حسابات “تويتر”. وهناك أيضا فتاوى وآراء موثقة على هيئة مقابلات ونقاشات تدعي أن عملياتهم متوافقة مع الشريعة ولا تخالف النظام وهي في الأساس منفعة متبادلة تهدف لمساعدة الآخرين!
أحد النماذج المنتشرة يقوم فيها “سمك القرش” هذا بعقد اتفاقية مع المتعثر يسدد عنه بموجبها المبلغ الذي تعثر عن سداده بالكامل، بشرط أن يستدين المتعثر مرة أخرى من المصرف مبلغا جديدا أكبر من الدين السابق، يسدد به لسمك “القرش” ويدفع له العمولة المقطوعة ــــ مقابل الخدمة ــــ ويبدأ في سداد القرض الجديد بأقساط أكبر وأجل أطول. الخلاصة، عملية تجديد للدين وتمديد للسداد مقابل عمولة يُدفع جزء منها لطرف خارجي يستغل فيها ظروف المتعثر والجزء الآخر للبنك لتجديد التمويل.
قد يدخل بيع السيارات في الاتفاقية لتغطية العملية، ولكن المشهد لا يختلف كثيراً عن أبشع صور الاستغلال الموجودة في التعاملات الربوية، تلك التي تقوم على الظلم بحق أناس ضعفاء وجدوا أنفسهم مضطرين للاستجابة لشروط مجحفة. على الرغم من أن المرابين والمستغلين هنا يطلقون على خدماتهم “سداد المتعثرين” إلا أن بداية خطواتهم تكمن في الحصول على قرض جديد، ليجد المقترض نفسه في حفرة أعمق من التي كان فيها.
إذا كان هناك من لا ينجح في الادخار، وآخرون يجدون أنفسهم في حاجة متكررة إلى الاقتراض، يقع المتعثر في قاع الإدارة المالية الشخصية، فلا احتياطات ولا بدائل وإنما متاعب وورطات قد تنتهي به إلى السجن وسلسلة طويلة من المشاكل. أما أسماك القرش المفترسة فهي تسبح في بحر الفوضى، وتستغل فسحة الرقابة التي تعجز عن محاربتها بالعقاب المباشر بعد أن فشلت في تفاديها بالتوعية.
المشكلة أن “وسطاء التمويل” ــــ كما يطلقون على أنفسهم ــــ يستخدمون أرقام هواتفهم في العلن وبكل شجاعة، وكأن أعمالهم نظامية ومقبولة. وصل الأمر إلى أنهم يعلنون في برامجهم القدرة على تأجيل ثلاثة أقساط من القرض الجديد إذا كان القرض من أحد المصارف المحلية؛ فهل هم يعنون أن هذا المصرف مشارك في برامجهم أم أنها شبكات منظمة وقوية، إلى درجة تعاون موظفي المصارف معهم!
النتيجة المباشرة لهذه الأنشطة هي إخراج اسم المتعثر من قوائم المتعثرين لفترة مؤقتة، لكنها تضمن زيادة حجم تعثره في المستقبل القريب! لن يتعلم المتعثر هنا أي درس جديد بل سيتحمل العمولة الظالمة والاستغلال من الغير، لأنه متعثر مضطر لم يرشده أحد. سيخرج كطرف وحيد متضرر مقابل أطراف أخرى مستفيدة.
من الخدمات التي يقدمها هؤلاء وساطة السداد المبكر ــــ بمقابل مالي ـــ لقرض سابق عمولته مرتفعة، وأخذ قرض بديل عمولته أقل. وهذه من الأمور التي عملت الضوابط التمويلية الأخيرة على حلها بتمكين السداد المبكر نظامياً. وهنا نرى بكل بساطة كيف أن غياب بعض التنظيمات يخلق أسواقا سوداء تستغل فيها العلاقات. لذا يظل المطلوب، المزيد من الرقابة والضبط بعد بذل الجهد في التنظيم والتوعية.
حلول محاربة الإقراض غير العادل ليست بالأمر الجديد، فالحكومة الأمريكية شرّعت لمثل هذه الأمور منذ الثلاثينيات الميلادية وتطورت بعد ذلك على مدى العقود في مختلف الدول. محلياً، تصرح أنظمة التمويل الجديدة بتوفير خدمات الائتمان وحماية المستهلكين. ولكن المستهلك ينتظر المزيد من التوعية المبكرة الوقائية ــــ كإدارة الائتمان الشخصي ــــ والتحديث المستمر لقوائم الجهات المرخصة بمزاولة هذه الخدمات إضافة إلى حلول ومخارج ملائمة لمن يتعثر، قبل أن تصطاده أسماك القرش، ويُحشر في زوايا المطالبات والتدهور المالي والأسري.
-نقلا عن “الاقتصادية”-
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال