3666 144 055
[email protected]
حادثة الأسهم وانهيارها 2006 تعود اليوم في ثوب جديد والتاريخ يعيد نفسه ليحكي قصة جديدة لأزمة ولضحايا جدد، وكأن فصول الأزمة مستمرة، واكتتاب بنك الأهلي الذي هو حديث المجالس والأندية وشبكات التواصل والتي تقرأ في ثناياها أن سطوة المال وسوط الفقر متعدد الأشكال والأثواب، وأعتقد أن كل الكوارث والأزمات والمحن والحروب والمجاعات تفيض في حقيقتها من ينبوع واحد هو “أزمات الإنسان ولقمة العيش”، والتي هي محطة لسلسلة محطات من الفتن وغياب الحكمة، وفي المقابل بوابة الشرور والمصائب التي تغرق الأرض يواكبها على الناحية موجات من الآثار كتدهور التدين وتدهور الأخلاق وتفكك الأسر وطغيان الظلم وغلبة الشهوات المادية على القيم، بل إن ما يجري في ضمير الفرد من صراعات وإحساسه بالظلم وما يسكن رأسه من خواطر وما تتنازعه من مشكلات وإحباطات وضياع مدخرات هو المفتاح للولوج لعالم اسمه “عـــــــــالم الأزمـــــــــات”…. إننا بصدد واقع يزداد يوميا تفاقما، ويخلف مزيدا من الضحايا والمصائب والأرقام التي ستدهور الأجيال، وفي المقابل سيتدهور النتاج والمخرج الإنساني فكرا وفنا ومعرفة وسلوكا، حتى صار العلم والتقدم يسلحان الحماقة والتهور والموت، وأصبح طغيان المادة ذراعا للطغيان والسيطرة.
ولعل المشاهد لبعض المشكلات والمصائب المعاصرة للأفراد هنا وهناك… فقدت خطيبتي، أخي سرقني، بعت بيتي، زوجي طلقني، أصبت بالسكر، وغيرها من الشكاوى التي لا يزال يفرزها سوق الأسهم وغيرها الكثير هي بوابة جديدة انفتحت ومصيدة للدخول لعالم المشكلات من أوسع الأبواب، فالضغوط النفسية المترتبة على الخسائر في سوق الأسهم والذي تسبب بانهيار للكثيرين ممن فقدوا مدخراتهم خاصة وبعضهم يعول أسرة لها همومها ومشكلاتها، والمتابع لهؤلاء يجد أنهم إما مقترضا أو متدينا أو واضع مدخراته التقاعدية أو متنفسا لخيال الثراء.
والمحزن ما تسمعه من تجدد وكثرة حالات الطلاق وزيارة العيادات النفسية، وتفشي السرقات والمشكلات الأسرية ناهيك عن فقدان الهناء بالمعاش وتنغيص العيش والتمتع بمباحاتها، وتعطيل كثير من أوجه الخير التي كانت تعطى للمحتاجين.
فلن أتكلم كما يقول المنظرون والمثاليون إن التعامل غير المدروس في سوق الأسهم كان سبب المشكلات التي واجهت المستثمرين فيه، لأن التلاعب في ملاعب الأسهم أقوى، ولكن لا بد أن نتكلم عن المكافأة التي حصّلها المستثمرون من ثقتهم في الاقتصاد الوطني، ونفيق ونستدرك لحل المشكلات الحاصلة حاليا والمتعلقة بالجوانب الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والأسرية، فالامر خلف انهيارا لأحوال معاش الناس، بل المشكلة أنه لما ظهر غول الخسائر ازداد وارتفع صوت الضعفاء وبالذات من الذين سهلت لهم القروض بسوق -الحسايف والحسرات- حتى أصبحوا يحافظون عليه وعلى مواعيده أكثر مما يحافظون على وقت أعمالهم، إننا بصدد قصص جديدة قادمة لأضرار اجتماعية تتمثل ربما في انفصال علاقات زوجية، أو خلافات أسرية، وأضرار اقتصادية تتمثل في المديونية الكبيرة التي وقع فيها الفرد من الاقتراض من البنوك أو للمؤسسات المالية المقرضة وبداية تنفيذ الدائن للمدين الإجراءات القانونية للحصول على مبالغ القرض كقيام المقرض ببيع العقار أو الرهن الذي أودعه المقترض لصالح المقرض، فالأحلام الوردية والخضراء ما زالت تنقل البعض من شاشات الأسهم إلى المستشفيات والمحاكم والمقابر.
إننا لا بد أن نعترف بأن هذه الكارثة المالية هي نتيجة لظهور صنم الثراء الذي صورناه بعقولنا أو الذي وضع وأنشئ مكتسيا بالذهب ليبهرنا لنتقرب إليه من أجل مطمع سريع، وليشغلنا عما هو صالح ورفيع. ورحم الله الحسن البصري حين قال: “ما كان لك سوف يأتيك على ضعفك، وما كان لغيرك لن تناله بقوتك”.
إن الذي يجب أن يركز عليه الآن لإعادة المدخرات -بعيدا عن التحليلات والنظريات- هو أن تعي هيئة سوق المال أنها هيئة ذات مسؤولية، والهيئات صديق للضمير وحارس للأمانة والشفافية خاصة في مشهد اقتصادي مائج ومتغير، لذا عليها وبجدية وبفاعلية حماية صغار المستثمرين من طغيان وجبروت القروبات والمتلاعبين، كما تسعى مع جهات الاختصاص من الوطنيين الحقيقيين على حجب الضبابية وإعادة بناء النفوس التي انهارت بانهيار مقومها، والنبي المصطفى عليه الصلاة والسلام قال: «إنما جعل المال لإقامة الصلاة والزكاة»، فتقوية البنية الداخلية ودعمها وتثبيت قواعد ولائها هو مركز قوة الدائرة ودرعها الواقية لسلامة الوطن الكبير والغالي من المشكلات والمخالفات النظامية والأخلاقية والسلوكيات الإرهابية، فالأمن المالي هو الصخرة الصلبة التي تتحطم عليها جميع المحاولات التي تضر بالمصالح الخاصة والعامة، فيا هيئة سوق المال السعودي… المتداولون ينتظرون الإفصاح وخاصة ممن ينتظرون الدخول من الأجانب ويسألون هل انهيار السوق ذي الاقتصاد القوي له ما يبرره؟ ولعل للقصة وليل الانتظار بقية.
الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل
نقلا عن اليوم
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734