الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في اللغة العربية، التصحيح هو إعادة شيء ما إلى مساره الصحيح، ما يعني ضمنيا أنه على خطأ أو عدم دقة. وهذا ينبطق على كل أمور الحياة بما فيها الاقتصادية والتجارية. في الجانب الذي يهمنا، وهو الأسواق المالية، يعرَف التصحيح على أنه هبوط في الأسعار بنسبة أكبر من 10% و أقل من 20%. لماذا هذه النسب بالتحديد ومن الذي وضعها؟ التاريخ.
حركة الأسواق التاريخية هي أساس نظريات التحليل التقني وتعريفات المصطلحات السعرية، حيث أنه على مر الزمن يتم توقع حركة الأسواق بناء على تحركات مشابهة حدثت قبل ذلك. تقول بعض الدراسات أنه منذ العام 1932، حصل تصحيح في الأسواق المالية بمعدل مرة كل سنتين. طبعا هذا لا يشمل الانخفاض بنسب أقل ولا يشمل انهيارات الأسواق. لكن لماذا يحدث التصحيح في الأسواق؟ إن أساس حركة الأسواق المالية هو مبدأ العرض والطلب. مثل أي سلعة أو منتج، كلما زاد الطلب كلما ارتفعت الأسعار و العكس صحيح. بداية ارتفاع الأسعار يكون بتزايد جاذبية الأسواق عند المزيد من المتداولين، ولتحقيق رغبتهم بدخول السوق، عليهم أن يشتروا الأسهم من حامليها الذين كانوا قد اشتروها بسعر أقل.
بعد ذلك، ولتحقيق عائد يجب أن يتوفر أشخاص اخرون يرون في السعر الأعلى جاذبية استثمارية ويتوقعون ارتفاعه لمستوى أكبر. هذه السلسلة لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية. فسيأتي وقت تصل الأسعار فيه إلى مستويات يعتقد حملة الأسهم أنهم حصلوا على عائد جيد ولكن يقل عدد الأشخاص الذين يتوقعون مزيدا من الارتفاع، وبالتالي يقل الطلب. عند ذلك، يبدأ بعض المستثمرين بالقلق، فيقتنعون بأن يبيعوا أسهمهم بسعر أقل للمحافظة على جزء من الأربح بدلا من خسارتها. وهنا تبدأ السلسلة المعاكسة، حيث ينتشر القلق وتنخفض الأسعار بسبب محاولة بيع الأسهم بأي سعر، وإحجام المشترين عن الشراء بانتظار أسعار أقل للدخول. حالة الأسواق بهذل الشكل تعني أن الأسعار وصلت إلى مستويات تعتقد الأغلبية أنها غير مناسبة ولا تعكس الوقع، بمعنى اخر “أسعار خاطئة”، فيحدث التصحيح. إن ارتفاع الأسعار بشكل مستمر وزيادة جاذبية الأسواق المالية يحدث عند تزايد عدد المتداولين فيها، وهذا الوضع لو دققنا فيه يعني بكل تأكيد أن أشخاصا ليسوا عادة من رواد السوق قد دخلوا إليه. وهنا نجد أن التداول أصبح بين فريقين أساسين. الفريق الأول يضم كل من يعرف قواعد الاستثمار والمخاطر ويتداول بشكل مستمر، بينما الفريق الثاني تشكله المجموعة التي دخلت السوق بعد أن سمعت أن الفريق الأول حقق أرباحا جيدة. لا حاجة لأن نذكر أن المنافسة ليست متكافئة. في معظم الأحيان، فإن الفريق الثاني يخسر بشدة في التصحيح أو الانهايارت، بينما يحقق الأذكياء من الفريق الأول ثروات طائلة. أشهر من تفادى الانهيارات وحافظ على ثروته هو جو كينيدي، والد الرئيس الأمريكي الأسبق.
كان جو من المستثمرين في الأسهم قبل انهيار عام 1929، ولكنه باع أسهمه قبل حدوث الانهيار. يقول جو أن ما جعله يتوقع انهيار الأسهم هو نصيحة استثمارية سمعها من ماسح أحذية. تيقن حينها أن الأسواق وصلت إلى مرحلة مبالغ فيها وأن التوقعات أصبحت غير منطقية لأن مجموعة جديدة قد دخلت السوق وهي لا تعرف بنائ التوقعات بشكل صحيح. باع أسهمه وحافظ على ثروته. من الذي اشترى أسهمه؟ ماسح الأحذية وأمثاله، وهم لا يملكون المال الكافي لشراء الأسهم، فيستدينون ليلحقوا بفرصة العمر، ويجدون من يمنحهم التسهيلات بكل رحابة صدر مقابل رهن مدخراتهم ومنازلهم، فتتضاعف المأساة.
من الناحية التقنية، هناك أدوات كثيرة لقياس العائد المتوقع و حجم الأسواق والارتفاعات. يتابع المحللون دائما مكررات الربحية ونسب ارتفاع الأسواق و أحجام التداول و يقارنون بين القيمة السوقية والقيمة الدفترية للشركات وغير ذلك من أساليب التحليل المالي. وكل ذلك جيد وضروري لاتخاذ القرارات الاستثمارية، لكنه لا يعطي فكرة كاملة عن نوعية المستثمرين وطبيعتهم. قابلت مرة شخصا حاول تطوير طريقة خاصة به لتوقع الانهيارات بخبث شديد. كان كلما التقى بمجموعة أشخاص من غير المهتمين بالأسواق المالية يحدثهم عن الاستثمار والعوائد المجزية عندما تكون الأسعار مرتفعة، والعكس عندما تنخفض حيث يحلل بتشاؤم ونظرة سلبية. هدفه من الخبث الذي يمارسه هو قياس ردة الفعل. لو لاحظ تزايد الاهتمام من قبل هذه النوعية، فإنه يميل إلى النظرة السلبية، وكلما تجاهلوا ما يقوله أحس بالارتياح. تلك طبعا طريقة بدائية لكنها تعكس الفكرة تماما. تعجبني مقولة أرددها دائما وهي أن أفضل صفقة استثمارية في مرات كثيرة ستكون الصفقة التي لم تقم بها.
فمثلا لو فكرت في شراء سهم ما على سعر مرتفع، ولكنك أحجمت عن ذلك وانخفض السعر فيما بعد، فإنك قد قمت بصفقة جيدة. في موجة الانخفاض التي حدثت مؤخرا، يسألني الكثيرون فيما لو كنت أتوقع انهيار قادم. جوابي أنه لا يمكن لأي أحد أن يتوقع توقيت أي انهيار، حتى جو كينيدي، لكن يمكن التحوط وعدم المخاطرة بالابتعاد عن الطمع وحساب المخاطرة. احتاج مؤشر داو جونز بعد انهيار عام 1929 ل 26 سنة للعودة إلى أعلى مستوياته، بينما ارتفع إلى مستويات قياسية بعد الأزمة المالية العاليمة الأخيرة خلال فترة أقل من 26 سنة بكثير. يجب النظر بجدية إلى مقارنات كهذه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال