3666 144 055
[email protected]
ahmad_khatib@
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
كل ستة أسابيع، تصدر قرارات اجتماع لجنة الفيدرالي للسوق المفتوحة، وهي اللجنة المنوط بها ضبط أسعار الفائدة والسياسة النقدية في الولايات المتحدة. ما إن يتم الإعلان عن القرارات حتى تبدأ الحركة في أسواق العملات والأسهم والسلع صعودا وهبوطا. ردة الفعل تحدث لأن الأسواق تكوّن نظرة سلبية أو إيجابية بناء على القرارات و تتم عمليات البيع والشراء.
منذ بداية الأزمة المالية العالمية يقوم الاحتياطي الفيدرالي بعمليات مختلفة ومتتالية بهدف تحفيز الاقتصاد ودفعه إلى النمو. تنوعت السياسات من تخفيض أسعار الفائدة إلى ضخ الأموال في الأسواق عن طريق شراء السندات الأميركية. اخر تلك الإجراءات تم الانتهاء منه نهاية شهر أكتوبر، وهو ما عُرف بالتيسير الكمي الثالث.
أنهى الفيدرالي برنامج الشراء الشهري للأصول المالية بعد أن تراكم ما يقارب ٤.٥ تريليون دولار من تلك الأصول. في المقابل، بقيت أسعار الفائدة منخفضة دون الإعلان عن موعد رفعها في المستقبل. طبعا، لم يعد الاقتصاد بعد إلى سابق عهده، لكن أعضاء الفدرالي الأمريكي يعتقدون أنه في الطريق إلى ذلك بعد النتائج التي اعتبروها إيجابية وخاصة تلك المتعلقة بالبطالة ونمو الناتج القومي والتضخم.
لقد كنت منذ البداية من الرأي القائل أن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن له أن يتم بالاعتماد على السياسات النقدية وحدها. فالاقتصاد ليس مستويات فائدة وحجم نقد وسعر صرف العملة. كل ذلك نتيجة للنشاطات الاقتصادية التي تقوم على الصناعة والتصدير والإنفاق الحكومي والاستثمارات وخلق فرص العمل وغيرها من الركائز الاقتصادية.
السياسات النقدية مطلوبة وضرورية لعمل توازن في الاقتصاد عندما يجنح باتجاه ما، ولكن ليس لبناء الاقتصاد. أعتقد أيضا، أن استخدام مصطلح التحفيز الاقتصادي فيه استخفاف بالأزمة التي حصلت. هناك انهيار حصل وليس تباطؤ. الانهيار يتطلب إعادة بناء شاملة وليس تحفيز.
عبر العقود الماضية، تراكمت عمليات المشتقات المالية والابتكار فيها، وكان الكثير منها مبني فقط على مصالح المؤسسات المالية ولا بعد اقتصادي له. لقد أخذت عمليات الابتكار المالي اتجاها خطرا وهو ما أدى إلى الانهيار الذي حصل. وأشدد على تسميته بالانهيار، لأن اختفاء مؤسسات مالية عمرها فوق المائة عام ليس تباطؤا على الإطلاق. الذي حدث في تلك الفترة، أن الحكومة تركت بعض تلك المؤسسات لمصيرها وهو الإفلاس، بينما تدخلت لإنقاذ البعض الاخر في تجاوز سافر لمباديء الاقتصاد الحر والرأسمالية. شروط إنقاذ تلك المؤسسات تمحورت حول إعادة الهيكلة والحد من التكاليف.
كل تلك المؤسسات وغيرها بدأت حملات الاستغناء عن الموظفين للتقليل من التكاليف. زادت نسبة البطالة كنتيجة طبيعية لذلك، و لم يكن هناك مؤسسات مستعدة لاستيعاب تلك الأعداد المهولة. حتى يومنا هذا، أجد صعوبة في فهم كيف يمكن إيجاد فرص عمل تعود بالاقتصاد إلى مستوياته السابقة، إذا كان كل ما نشاهده هو ضخ الأموال التي يذهب معظمها مرة أخرى إلى أسواق المال، وهو ما يعتبره البعض سببا للارتفاعات القياسية لأسواق الأسهم بسبب توفر “المال الرخيص”. في هذا الخصوص، أيضا أجد صعوبة في ربط أسعار قياسية لأسواق الأسهم مع اقتصاد انهار منذ عدة سنوات. كثير من الشركات تحقق نتائج جيدة، لكن لا أرى أسبابا اقتصادية تجعل مؤشرات الأسهم في مستوياتها الحالية.
المثير لمزيد من القلق بالنسبة لي، هو اتباع معظم البنوك الرئيسية سياسات مشابهة. فالبنك المركزي الأوروبي يقوم بتحركات مشابهة و قد يزيد منها في المستقبل القريب، مع الاختلاف الموجود كون القرارات في أوروبا ليست مركزية وتحكمها اتفاقات مختلفة. لا اعتراض لي على قيام البنوك المركزية بدورها في المحافظة على المستويات النقدية والتدخل في أسعارالصرف عندما تدعو الحاجة، لكن من تحول النظرة إلى هذا الدور بكونه هو من يحرك الاقتصاد.
لكي يحدث بناء اقتصادي ونمو، يجب أن تكون هناك صناعات وابتكارات تنمو و تخلق الطلب عند المستهلك. هذا بكل تأكيد يأخذ وقتا طويلا ولكنه السبيل الوحيد. الاعتماد على السياسات المالية وحدها لا يفعل شيئا سوى أن يدخل الاقتصاد في دورات متتالية من الضبابية وعدم الوضوح.
في عام ٢٠٠٥، كانت جانيت يالين تلقي خطابا بصفتها رئيسة للبنك الفيدرالي في سان فرانسيسكو. في ذلك الخطاب، عارضت يالين القيام بإجراءات استباقية للسيطرة على الرهون العقارية قبل أن تصبح أزمة مالية. في عام ٢٠١٠، بعد أن أصبحت عضوا في الفيدرالي الأمريكي، قالت يالين أمام لجنة الكوارث المالية، أنها كانت مخطئة في ٢٠٠٥ حيث اعتقدت أن الأسواق ممكن أن تتحمل هزات مالية مثلما حدث بداية الألفية بفقاعة الدوت كوم. في ٢٠١٤، أصبحت يالين رئيسة للفدرالي الأمريكي وأصبح على العالم أن يعتمد على حسن تقديرها للموقف.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734