الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشرت هذا المقال في مدونة إلكترونية قبل أكثر من ثلاث سنوات، وأعيد نشره هنا حيث ما زلت أرى الحاجة الماسة لإنشاء هذه الجمعية.
من خلال متابعتي لسوق الأسهم السعودية في السنوات الماضية تبين لي أن هناك حاجة ماسة إلى تأسيس جمعية وطنية تعنى بحماية المستثمرين، تكون واحدة من مؤسسات المجتمع المدني، غير هادفة للربح ومستقلة، يتمثل دورها في تلقي شكاوى المستثمر المتعلقة بأي مخالفات في إعلانات الشركات أو في قوائمها المالية أو في تداول أسهمها، والرفع للجهات المختصة لاتخاذ اللازم بشأن ذلك، ومساندة جهود الجهات الحكومية المعنية بشؤون السوق المالية والمستثمرين، خصوصاً هيئة السوق المالية، وإطلاعها على ما يمس حقوق المستثمر ومصالحه. كما أن هذه الجمعية يمكن أن تقوم باقتراح الأنظمة والضوابط والتنظيمات ذات الصلة بحماية المستثمر وتطويرها، ورفعها للجهات المختصة لإقرارها، إضافة إلى تمثيل المستثمر في اللجان والهيئات المحلية والدولية ذات العلاقة بحماية المستثمر، وإعداد الدراسات والبحوث، وعقد المؤتمرات والندوات والدورات، وإقامة المعارض ذات العلاقة بنشاط حماية المستثمر، وتوعية المستثمر بطرق وأساليب الاستثمار ومده بالمعلومات والوسائل التي تساعده على ذلك، وأخيراً منح جائزة سنوية بمسمى “احترام المستثمر” للشركة المدرجة التي تعمل لصالح المستثمر وتتمتع بالشفافية الكاملة.
رأينا وسمعنا خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بعد انهيار سوق الأسهم في عام 2006م وهو يتألم مما حصل ويحاول بأي طريقة كانت الدفاع عن المستثمرين، حيث ذكر – حفظه الله – أن هذا الأمر آلمه جدا وتطرق لحال الضعفاء الذين تورطوا، واقترح أن تنشئ الدولة صندوقا استثماريا لبيع وشراء الأسهم لذوي الدخل المحدود، إلى آخر المقترح الذي بالطبع لم يجد تجاوبا من المعنيين بالأمر. إن هذه الجمعية تعد مكملة وليست بديلا عن الجهات الرسمية التي تقوم بمهام كبيرة لإدارة السوق المالية والإشراف على أعمالها، وأعتقد أن هذه الدعوة لتأسيس جمعية لحماية المستثمرين ستجد قبولا كبيرا ودعما من الجهات الرسمية، ولا ننسى أن المستثمر هو عصب العملية الاستثمارية برمتها، ومن دون المستثمر لن تكون هناك سوق مالية ولا حاجة إلى أي من الجهات الرسمية التي تديره، والتي وجدت أصلاً لدعم المستثمر وخلق بيئة استثمارية صالحة لإدارة رؤوس الأموال ودفع الحركة الاقتصادية في المملكة.
يخطئ من يعتقد أن هيئة السوق المالية قادرة وحدها على السيطرة على السوق والتعامل بكفاءة ومقدرة مع الشركات التي وصل عددها لنحو 150 شركة حاليا، ومتوقع زيادة عددها في السنوات القادمة إلى أضعاف ذلك. جميعنا يتذكر الانهيار الكبير لسوق الأسهم في عام 2006م الذي لا تزال آثاره المدمرة تسمع في كل مجلس ويئن تحت وطأتها كثير من المواطنين، وهو الانهيار الذي كان بالإمكان تلافيه لو كان هناك صوت عاقل يوقف الاندفاع الكبير نحو الأسهم والترويج لها عبر المؤسسات المالية التي كان من المفترض أن تكون لديها الخبرة الكافية لتشخيص الفقاعات المالية والتحكم في السيولة بشكل يمنع التصرفات غير العقلانية من الاستشراء في السوق وتحميل السوق ما لا يحتمل.
رأينا كيف تهافتت الشركات الخاصة والعائلية للتسجيل في سوق الأسهم، لا من أجل الأهداف المتعارف عليها عالمياً، كالحد من مسؤولية الشركاء تجاه الغير، وإيجاد سوق لتداول أسهم الشركة وسهولة انتقال الملكية فيها، والحصول على مزيد من المال للنمو والتطوير وغير ذلك، بل إن كثيرا من هذه الشركات تدافعت للتسجيل في سوق الأسهم لاستغلال الثغرات الهيكلية فيه التي تجعله طريقة سهلة لتعظيم الثروات الخاصة، حيث يتم تقييم هذه الشركات دون مساءلة أو تمحيص. إن بإمكان جمعية حماية المستثمر المقترحة إطلاق صافرات الإنذار وتعليق الأجراس في مثل هذه الحالات واقتراح الحلول وتقديم الدعم لهيئة السوق المالية.
إن وجود هذه الجمعية المقترحة من شأنه توجيه المقترحات النافعة لهيئة السوق المالية بخصوص آليات التداول مثل وحدات تغير السعر (5 هللات و10 هللات و25 هللة)، وإيضاح تأثيرها السلبي على السوق، ومدى جدوى وضع حدود نسب سعرية للتداول اليومي، وأسباب غياب أوامر إيقاف الخسارة، ودراسة سعر العمولة المرتفع وساعات عمل السوق، إلى جانب أمور أخرى متعلقة بالقصور في أنظمة إدراج الشركات وتحديد علاوات الإصدار ورفع رأس المال للشركات، ناهيك عن الحاجة إلى إيجاد آلية دقيقة وعادلة لمعاقبة من يُظن أنهم من المضاربين المخربين للسوق، ووضع اللوائح التنفيذية الدقيقة لتبيان أوجه التلاعب بشكل واضح وقاطع، ليس بالشكل الهش الحالي. كذلك قد ترى الجمعية أهمية مخاطبة شركة تداول لتطوير موقعها الإلكتروني بما يتناسب مع حجم وضخامة سوق الأسهم السعودية، فترفع القوائم المالية بصيغ قابلة للمعالجة من قبل الأفراد (ليس كصور ضوئية لا يمكن التعامل معها)، وتحديث الموقع بشكل سليم، وبث الأسعار الفورية بدلا من المؤخرة، إضافة إلى معالجة جوانب القصور في ما تقدمه شركات الوساطة من بنوك وغيرها للمتداولين، ومثل هذه المطالب حق من حقوق المستثمر ممن يدفع عمولة مقابل كل عملية يقوم بها.
كما أن متابعة ومعاقبة من يقوم بالتداول بناء على معلومات داخلية، وهو الأمر الذي تهتم به البورصات العالمية وتوليه اهتماماً كبيراً لما له من مخاطر كبيرة على عمل السوق، من انتفاع الأقلية المطلعة على حساب كافة المستثمرين، لا يزال بحاجة إلى التفعيل في السوق السعودية ولا بد من وجود من يراقب ويتحقق ويدقق ويرصد ويسائل، ومن المفترض أن تكون هناك حالات معلنة لمعاقبة من يقوم بهذه التجاوزات التي نعرف أنها تحدث كثيرا، عطفا على التجارب الدولية ونظرا لنزعة بعض البشر لتحقيق مكاسب سهلة وفورية.
لن أسهب في سرد الأمثلة التي يعرفها كل من احتك بسوق الأسهم السعودية من قريب أو بعيد، والتي تشير بمجملها إلى ضعف السوق حيث أصبح طاردا للمستثمرين مهزوزا لا يعكس واقع الاقتصاد السعودي ولا قوة الشركات العاملة فيه.
بما أن المستثمر هو عصب السوق المالية وهو الذي يضخ أمواله لتمويل الشركات المدرجة والراغبة في الإدراج وهو الذي يخاطر برأسماله، وهو الذي يدفع عمولة عالية مقابل كل عملية يقوم بها، فمن حقه تشكيل جمعية تعنى بحقوقه والدفاع عنه وحماية ماله، ومن حقه تخصيص نسبة من العمولة التي تستقطع منه وتسديدها لصالح هذه الجمعية، ولتكن 10 في المائة من رسم العمولة على سبيل المثال، وذلك لتتمكن الجمعية من مباشرة عملها باحترافية كبيرة وكفاءة عالية. كما أن نجاح هذه الجمعية سيمكنها من الحصول على الدعم من مصادر أخرى ككبار المستثمرين وأهل الخير ومن الحكومة نفسها.
أدعو إخواني وأخواتي من المستثمرين، صغارا وكبارا، لمناقشة فكرة تأسيس هذه الجمعية من خلال وسائل الإعلام المتعددة، ومناقشة الفكرة ومراجعة مجال عمل الجمعية ونشاطها، والهيئة النظامية المناسبة لها في المملكة. ولقد أعددت مسودة لنظام عمل الجمعية تحت مسمى نظام الجمعية الوطنية لحماية المستثمرين في الأوراق المالية، يمكن الاطلاع عليها من خلال صفحتي الشخصية في تويتر، وذلك بهدف إعطاء تصور لما يمكن أن تؤسس عليه الجمعية.
نقلا عن الاقتصادية
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال