ahmad_khatib@
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
من بديهيات التداول في الأسواق المالية أن المستثمر معرض للربح والخسارة. في حالة الربح فإنه يكون نتيجة صحة القرارات التي اتخذها المستثمر. أما في حالة الخسارة فقد يكون السبب لا يتعلق بقرارات المستثمر بل بسبب تعرضه للخداع من قبل أطراف أخرى كالوسيط أو الشركة التي استثمر بها أو بسبب عدم كفاءة بعض الإجراءات المتبعة. المستثمر في جميع الأحوال لا يملك إلا أن يتَّبع الإجراءات القانونية وأن يعتمد على كفاءة الهيئات الرقابية التي تضمن التزام الأطراف الأخرى بتلك القوانين من ناحية الإفصاح والشفافية والدقة وغيرها من الأمور التي يستخدمها المستثمر كأدوات لاتخاذ قراراته. فلا يمكن للمستثمر أن يقوم يدور رقابي أبعد من تحليله للمعلومات التي يحصل عليها. مثلا، ليس مطلوبا من المستثمر أن يتأكد من كفاءة مراجع الحسابات الخارجي الذي تعينه الشركة، حيث من المفروض وجود معايير واضحة لاعتماد المراجعين الذين من الممكن التعامل معهم، وذلك يتضمن فحص دوري لموظفي مكاتب المراجعة وأساليب التدقيق المتبعة لاستمرار اعتماد المكتب من عدمه. مثال آخر يتعلق بكفاءة الأشخاص الذين يشغلون مناصب حساسة في الشركات مثل أعضاء مجلس الإدارة والمدير التنفيذي والمدير المالي بحيث يمنع أي شخص لا يستوفي المؤهلات العلمية أو متطلبات الخبرة من شغل تلك المناصب. الأمثلة المذكورة تتعلق بحماية المستثمر لأن أخطاء الأطراف المذكورة تتسبب بخسائر للمستثمر بدون أي تقصير من قبله.
عند تعرض المستثمر للخسائر يبدأ في البحث عن وسيلة تمكنه من تعويض ولو بعضا من خسائره. يقدم الشكاوى وقد يصل لرفع القضايا في المحاكم، لكن غالبا لا يصل إلى هدفه نظرا لعدم سهولة إثبات أي من الأطراف يتحمل الخطأ. وفي حالة الخطأ المالي مثلا، تتوزع المسؤولية على إدارة الشركة والمراجعين وحتى الهيئات الرقابية. وبسبب ذلك يصعب إلزام أي من الأطراف بتعويض المستثمرين. إضافة إلى ذلك، فإن كل مستثمر يتصرف منفردا، فقد يقرر البعض السير بالإجراءات القانونية بينما يقرر الآخرون نسيان الموضوع لأي سبب كان، وذلك لأنه لا توجد هيئة تمثلهم وتتحدث باسمهم كمجموعة.
لمحاولة التغلب على المشاكل المذكورة، تم في كثير من الدول إنشاء هيئات أو صناديق لحماية المستثمرين كجهات مستقلة لا تبغي الربح و تُحدد أهدافها بحماية المستثمرين و متابعة ما يخصهم عبر التواصل مع الهيئات الرقابية والنظامية بالإضافة إلى المشاركة في أي فعاليات أو تطورات تخص الأسواق المالية التي تعمل بها. بوجود جهة تمثل المستثمرين، تكتمل مشاركة كل الأطراف المعنية ولا يبقى المستثمر خارج دائرة سن القوانين و متابعتها وتطوير الأسواق المالية. في حالة صندوق حماية المستثمر، تتضمن أهداف الصندوق تعويض خسائر المستثمرين الناتجة من أخطاء أطراف أخرى مثل الإفلاس أو التزوير. ويتم تمويل الصندوق عبر اشتراكات تلزم الشركات بدفعها للصندوق الذي ممكن له استثمار الأموال لتنميتها عبر أدوات محددة ذات مخاطر متدنية، ولا يتحمل المستثمر أي أعباء مالية تجاه الصندوق الذي أنشيء لمصلحته.
أما في حالة جمعية حماية المستثمر، فإن دورها يتضمن تمثيل المستثمرين في عضوية أي لجان أو مؤسسات تتعلق بالأسواق المالية وذلك لكي تشارك بالاطلاع على القرارات وإبداء الرأي وأيضا التواصل بشكل مباشر مع جميع الأطراف العاملة في السوق. كما أنه توجد هيئات وصناديق متعددة ذات اختصاصات مختلفة تُنشأ بحسب تطور الأسواق أو المنتجات المالية في البلد المعني.
على صعيد آخر، يوجد الكثير من الإجراءات المنصوص عليها في جميع أنظمة الأسواق المالية تتعلق مباشرة بحماية المستثمر ولكنها في كثير من الأحيان غير مستخدمة وغير فعالة بسبب عدم العلم بها أو عدم الوثوق بجديتها. مثال هذه الإجراءات تلك المتعلقة بحثّ أي شخص يعلم عن وقوع مخالفة على الإبلاغ عنها مع تقديم مكافأة له و حمايته من أي عواقب انتقامية كفقدان وظيفته أو غير ذلك. يُطلق على هذا الشخص مسمى “مُطلِق الصافرة”، كناية عن قيامه بالتنبيه لوجود أخطاء أو مخالفات.
جميع ما ذكرته هنا ليس اختراعا ولا اقتراحا، فهو موجود في أسواق وبلدان كثيرة من عشرات السنين. أظهر فعاليته أحيانا و لم يحمي المستثمر أحيانا أخرى. إلا أن عدم وجود هيئات وصناديق يبقي آملا المستثمر ضعيفة عند الخسائر كما أنه يعرقل نمو الأسواق المالية وتطورها.
تم إنشاء جمعيات وصناديق لحماية المستثمر في عدد من الدول العربية إلا أن تجربتها ما تزال حديثة ويشوب الكثير منها البيروقراطية وعدم الاستقلالية لذلك لم نشهد بعد نموذجا عربيا مميزا يستحق الإشارة إليه. أما من ناحية القوانين، فلا أعتقد أننا ينقصنا تشريعات أو قوانين جديدة، بل نتطلع إلى تطبيقها بالكامل.
ختاما أتسائل، ترى كم من شخص علم بوجود أخطاء ومخالفات لكنه لم يطلق صافرته لتخوفه من العواقب؟
الخطيب