3666 144 055
[email protected]
نعود لموضوع الشركات العائلية التي بدأت أولى حلقاتها قبل عدة أسابيع. بينت في المقال الأول ما المقصود بالشركات العائلية؟ وكيف يمكن تصنيفها من حيث الوضع القانوني للشركات؟ ثم بينت في المقال الثاني أهم مشكلة تواجه الشركات العائلية وكيف أن غياب المؤسس يعد المعضلة الأولى نحو انهيار أغلبية الشركات العائلية؟ وفي المقال الثالث تطرقت إلى الجوانب التنظيمية وافتقار الشركات العائلية إلى الرسالة والرؤية وصعوبة بناء الاستراتيجية.
وهنا أريد أن أناقش بقية المشكلات الأخرى التي تعد قواسم مشتركة لكثير من الشركات العائلية. المشكلة الأخرى البارزة هي عدم وجود هيكل تنظيمي يعكس واقع الشركات العائلية ويبين موقع الإدارات الأساسية وكيف تختلف مهمة مجالس الإدارات عن مهمة الجهاز التنفيذي للشركة. فكثير من الشركات العائلية لا يوجد بها هيكل تنظيمي وإن وجد فتراه على شكل رسمة تعلق في أحد المداخل دون أن يعكس ذلك الإدارات الرئيسة للشركة. وقد تصمم بعض الشركات العائلية هيكلا تنظيميا إلا أنه لا يرفق بطياته الوصف الوظيفي للإدارات الرئيسة وكيف تختلف عن بعضها بعضا؟ كما أن بعض الهياكل التنظيمية لبعض الشركات العائلية تخلط بين مهمة مجلس الإدارة ومهمة الجهاز التنفيذي وبعضها الآخر لا تستطيع التفرقة بين الإدارات التنفيذية، فنجد أن مهمة المدير التنفيذي قد تتشابه إلى حد ما مع بعض الإدارات كالموارد البشرية والتسويق والإدارة المالية وغيرها.
ولكي نوضح ذلك دعونا نفرق بين مهام مجلس الإدارة ومهام المدير التنفيذي من جهة، وكذلك مهام المدير التنفيذي ومهام الإدارات التابعة له كالموارد البشرية والتسويق والإدارة المالية من جهة أخرى، لأن الازدواجية معضلة تقابل الشركات. تمثل المهمة الرئيسة لمجلس الإدارة في رسم وتوجيه البعد الاستراتيجي والسياسات العامة للشركة. ويتكون مجلس الإدارة عادة من جميع أفراد العائلة، وللمجلس الاستعانة بمن يشاء كتعيين مستشارين من داخل الشركة أو خارجها.
أما المهمة الرئيسة للمدير التنفيذي فتتمثل في الإشراف على الجهاز التنفيذي للشركة بجميع مكوناته بما يحقق الأهداف التي تم اعتمادها في مجلس الإدارة، ويرتبط المدير التنفيذي مباشرة بمجلس الإدارة، كما يتم اختياره وتحديد راتبه ومكافأته من قبل مجلس الإدارة كذلك. وهناك إدارة تقع بين مجلس الإدارة والمدير التنفيذي تسمى إدارة المراجعة الداخلية وهي عبارة عن جهة مستقلة تتمثل مهمتها الأساسية في فحص وتقويم جميع نشاطات الشركة التشغيلية والتمويلية والاستشارية وترتبط مباشرة بمجلس الإدارة ولا يوجد للمدير التنفيذي سلطة عليها.
وتنظر بعض الشركات العائلية إلى إدارة المراجعة الخارجية على أنها طرف يمكن الاستغناء عنها، بينما هي ضرورة يجب مراعاتها عند إعداد الهياكل التنظيمية. ولكي تؤدي إدارة المراجعة الداخلية عملها بنجاح ينبغي أن تكون متحررة من سيطرة الإدارة التنفيذية بحيث تتبع مباشرة مجلس الإدارة وألا تختزل مهمتها في التدقيق والمراجعة فحسب، بل تتولى تقديم المشورة لمجلس الإدارة وللمدير التنفيذي في جميع الجوانب الإدارية والمالية والتشغيلية وفق أسس علمية ومهنية. كما نلاحظ بعض الشركات العائلية تظن أن مهمة المراجعة الداخلية تقتصر على تدقيق القوائم المالية وهذا يخرج عن المفهوم العام للمراجعة الداخلية التي تشرف على نتائج أعمال الشركة الكمية والنوعية. وتصل مهمة المراجعة الداخلية إلى اقتراح معايير الجودة للأنشطة الجوهرية ومراقبة الإدارات في الالتزام بها. كما أن لها جانبا تثقيفيا وتحليليا، فقد تواجه الإدارات التنفيذية صعوبة في تحقيق بعض المعايير، فتقوم إدارة المراجعة بإيجاد الحلول للتغلب عليها وعلى المشكلات الأخرى. ولكي تقوم إدارة المراجعة الداخلية بمهامها ينبغي تحديد الأهداف بدقة في مجلس الإدارة والأدوات اللازمة لها كالميزانيات التقديرية.
وبعد هذا الوصف للمهام الأساسية لمجلس الإدارة وللمدير التنفيذي والمراجع الداخلي وهي متشابهة إلى حد ما في جميع الشركات العائلية نريد أن ننزل قليلا في الهيكل التنظيمي لنرى كيفية عمل الإدارات الرئيسة في الجهاز التنفيذي التي تختلف باختلاف الشركات العائلية حسب حجم الشركة ونوعية النشاط وجدية أعضاء مجلس الإدارة في اتباع المنهج العلمي في إدارة الأعمال. وعلى الرغم من هذا الاختلاف إلا أن هناك إدارات رئيسة ينبغي على الشركات العائلية أن تكون ضمن إداراتها وهي: إدارة التسويق، والإدارة المالية، وإدارة المشتريات والمخازن، وإدارة الموارد البشرية وإدارة تقنية المعلومات.
ولصعوبة عرض مهام كل هذه الإدارات في مقال واحد سوف أركز مناقشتي هنا على أهمها وهي إدارة التسويق التي تعد قناة اتصال بين الشركة وبين الأسواق ولها مهام تفصيلية كثيرة يمكن الرجوع إليها في أدبيات التسويق، إلا أن المشكلة الجوهرية هنا هي أن بعض الشركات العائلية لا تفرق بين التسويق والبيع فنراها تمارس البيع على أنه تسويق وهذا مختلف جذريا عن ذلك. والأمر ليس مقتصرا على الشركات العائلية فحسب، بل هو سلوك تنظيمي تنهجه بعض الشركات. وهنا يحتم علينا أن نقف قليلا لتوضيح الفرق بين هاتين المهمتين المختلفتين والمتشابهتين في آن واحد.
فالبيع يعد جزءا من التسويق، حيث إن مهمة التسويق أشمل بكثير من البيع. الفرق الجوهري بين التسويق والبيع أن التسويق يبدأ من السوق بالتركيز على حاجات المستهلكين، بينما البيع يبدأ من الشركة بالتركيز على المنتجات المعروضة للبيع. ويستخدم التسويق عدة أدوات تسمى عناصر المزيج التسويقي وهي (المنتج، والتسعير، والتوزيع، والترويج)، بينما يستخدم البيع مهارتي البيع والإعلان فقط. والفرق الثالث بين التسويق والبيع أن التسويق يهدف إلى تحقيق الأرباح من خلال رضا المستهلكين بينما البيع يهدف إلى تحقيق الأرباح أيضا ولكن من خلال حجم المبيعات. فإذا زادت المبيعات وتحققت الأرباح ولم يقابلها رضا المستهلك فهذا بيع وليس تسويقا.
هذه لمحة مختصرة جدا عن مهمة وظيفة التسويق، وهناك المزيد والمزيد لدرجة أن بعضهم ينادي بتبعية إدارة التسويق لمجلس الإدارة نتيجة أهميتها، ولكنني مضطر للتوقف هنا للمساحة المخصصة للمقال.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734