3666 144 055
[email protected]
حظي اعلان الموازنة الخميس الماضي 25 ديسمبر باهتمام شعبي واسع كونها تعطي تصوراً وانطباعاً عن أداء الاقتصاد في المستقبل والحدود التي يمكن أن يتحرك خلالها، خاصة في ظل تداعيات انخفاض أسعار النفط في الربع الأخير لهذا العام. والمعروف عن السياسة المالية للمملكة أنها تنتهج مبدأ السياسة المعاكسة للدورات الاقتصادية Counter –Cyclical تجنبا لمخاطر التقلب في النمو الناتج من تذبذب أسعار النفط وسعيا لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومساعدة الاقتصاد الوطني في رفع قدرته على التكيف مع التطورات.
وفي ظل اقتصاد تغيب عنه الضرائب فإن ما ينهك السياسة المالية في المملكة أن الإيرادات النفطية كأحد جانبي الموازنة هي جزء خارج نطاق السيطرة و يرجع ذلك مثلما يعرف الجميع إلى طبيعة الارتباط بين ايرادات الدولة وأسعار النفط.
وبالنظر إلى ملامح الموازنة للعام القادم نجد أن الايرادات قدرت عند 715 مليار ريال بينما حددت النفقات بـ860 مليار ريال وهذا يعني أن مقدار العجز المتوقع 145 مليار. وإذا ما تجاوزنا مكون الايرادات إلى هيكل المصروفات نجد أن الإنفاق على البنى التحتية والتجهيزات الاساسية للتعليم والصحة “الانفاق الرأسمالي” مازال مستمرا على أهميته النسبية من اجمالي المصروفات وهذا الأمر يشير إلى أن الموازنة استطاعت المحافظة على الوزن النسبي لهذا البند رغم الانخفاض في الايرادات ومعاودة ظهور العجز للميزانية العامة، مما يعكس رغبة الحكومة في ضخ استثمارات جديدة وموصلة الانفاق على المشاريع الغير مكتملة.
والمُطلع على بيان الوزارة يلحظ أن هذا الإنفاق توزع على تنفيذ مشاريع الطرق الرئيسية والثانوية فضلاً عن الموانئ والمطارات واستكمال مشاريع الخطوط الحديدية والمدن الصناعية.
وهذا البند من الانفاق في حقيقته يتجاوز كونه مجرد اعتماد مالي لمشروع ما فهذا النوع له مدلولاته التي يمكن ايضاحها من جانبين أولهما أن هذا الإنفاق يُولِّد آثار انتشارية مستدامة للاقتصاد الوطني فتوفر الطرق بين المدن الرئيسة وداخلها من جهة وبين المدن والقرى يسهل انسيابية انتقال الافراد وحركة السلع وسيفيد حينها التوظيف والتجارة. كما أن جاهزية البنى التحتية هي شرط ضروري لزيادة الناتج الغير نفطي؛ لأن ذلك يعني توفير بيئة مناسبة للقطاع الخاص والصناعات النوعية للنمو والتوسع إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن مدى فاعلية هذه النفقات في التأثير على المتغيرات الاقتصادية يتحدد بمدى الكفاءة من جهة والسير على المدى الزمني كما هو مخطط من جهة أخرى.
أما الجانب الثاني فهو أن النوع من النفقات يؤثر أيضا على جوانب العدالة الاجتماعية لأن الاستثمار في التجهيزات الأساسية يعني بصورة أو أخرى تغيير شكل الثروة، فإذا كانت ايرادات الموازنة تقوم على العائدات النفطية أي السحب من الثروة النفطية الوطنية واللي يشترك في حقها الأجيال القادمة فإن استمرار ضخ النفقات في هذا البند سيكون أفضل استثمار على الأجلين القصير والطويل –وفي ظل اعتبارات اقتصادية معينة- اذا كان سعر البرميل اليوم 55 دولارا يستطيع أن يبني جسرا أو يمول مختبرا ونحن في نهاية عام 2014 م فلنفعل ذلك .. لأننا نحن لا نعلم اذا كانت الأسعار المستقبلية بعد 20 عاما ستجلب لهم الرغيف أم لا !
إنَّ مصدر هذا الإنفاق طوال تاريخ الميزانية السعودية هوالعائدات النفطية الآتية من تناقص أو اهتلاك الثروة الوطنية الأمر الذي يحتم ضرورة تعظيم العائد من هذه النفقات عن طريق رفع “الكفاءة” لأنه لا ينبغي أن نحرم الاقتصاد الوطني من التمتع بمزايا الإنفاق الرأسمالي في الوقت الذي تقوم فيه بعض الاقتصاديات –بالاستدانة المشروطة- لتحقيق هذه الآثار الاقتصادية الكلية منها والجزئية .
السملق
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734