3666 144 055
[email protected]
أستاذ الأدب والنقد.. كلية الآداب..
جامعة الملك فيصل
منذ أن قرأنا كتاب (كيف تكسب الأصدقاء)، وكتاب (دع القلق وابدأ الحياة) قبل سنوات وسنوات، وصيغة هذه الكتب وهذه العناوين المغرية لا تزال تتوالد وتتكرر بشكل عجيب، حتى أن بعض المكتبات أسست تجارتها ومكاسبها ومواردها المالية في الآونة الأخيرة على الكتب التي تبدأ بعنوان (كيف)، أو الكتب القائمة على التحفيز عامة!!، وقد رصدنا في حقلها ومجالها عناوين لا تحصى، وسوف استعرض في هذه المقدمة بعضا منها: (كيف تصبح مليونيرا)، (كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس)، (كيف تتغلب على الفشل)، (ابتسم حتى ولو دون سبب)، (واجه عوامل السقوط)، (العادات السبع للناس الأكثر فاعلية)، (للإقدام على التغيير بشجاعة)، (اسمح لي: حياتك بانتظارك)، (حل أصعب مشاكل الحياة )، (سيطر على التوتر)، (الأسلوب الأقوى والألف للتغيير)، (خط السعادة)، (زيادة ذكائك العاطفي)، (أنت أيضا يمكنك أن تنجح)، (كيف تتغلب على الفشل)… وغير ذلك كثير.
بالصدفة وفي إحدى زياراتي لأحد معارض الكتاب قبل أيام تبين لي أن فئة كبيرة لا تزور المعرض أو المكتبة إلا لاقتناء هذه العناوين الرنانة الجاذبة المحفزة، فهي تحظى بالنصيب الأوفر من المبيعات، وبطبيعة الحال يوجد منها عناوين هي في الأصل دراسات علمية أو تجارب شخصية، ولكن في الوقت ذاته أكثرها يضع فكرة التسويق في الدرجة الأولى، باللعب على خيط المشاعر والأحاسيس التي تكون مرهفة في فترة من فترات العمر، كفترة الشباب مثلا، ولذا فهي تجد سوقا رائجة لدى هذه الفئة تحديدا، وهذا طبيعي كونهم في مقتبل العمر، المرحلة القابلة بشغف كبير لاكتشاف أسرار الحياة التي لا يمكن اكتسابها إلا عبر تجربة طويلة، ولأن الشاب متحمس للقادم من حياته تجذبه بالتأكيد هذه الأفكار التي تختصر الزمان وتجلب النجاح على المستوى الشخصي أو التجاري أو على مستوى الحضور الاجتماعي.
ادخل هذه المكتبات وتوقف عند القسم الذي يضم مثل هذه الكتب ستجد حتما لوحة كتب عليها: الكتب الأكثر مبيعا، وبطبيعة الحال منافسها العنيد هي كتب الطبخ، التي تباع (بالهبل) بالتعبير الدارج، وسؤالي هنا ما مدى حاجتنا كبشر لمثل هذه الكتب التوجيهية، التي ترسم لنا الطريق ورديا معبدا بالسهولة والبساطة واليسر، حتى أنك تبدأ في التشكيك في نفسك بأنك تعيش في عالم غير عالم هؤلاء الذين ألفوها، فببساطة شديدة تفوق البساطة ذاتها تصور لك هذه المؤلفات امبراطورية (بيل جيتس) المالية وتجربته الحياتية، وببساطة أشد يصور لك الحياة الزوجية وجوانبها الوردية، وببساطة أشد وأشد يحول بيئة عملك إلى جنة، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مصداقية هذه الكتب والهدف منها: هل هي كتب معرفية أم كتب تجارية، أم هل حولتها شراهة الموزعين من حالتها الأولى القائمة على العلم والمعرفة إلى حالتها الثانية القائمة على المكاسب المالية وتحقيق الثروات؟.
من جانب آخر يبقى السؤال مفتوحا على مصراعيه: هل هذه الكتب وما تطرحه من أفكار جاذبة مناسبة لكل مكان وزمان؟ لكل مجتمع على حد سواء؟، بالتأكيد لا، لأن بعض أفكارها شاطحة كما يقولون ويصعب تطبيقها في بعض المجتمعات، فضلا عن مثاليتها التي تجاوزت الحدود، عوضا عن شتات أفكار بعضها، فقد قرأت مؤخرا واحدا منها عن فكرة (الحظ) التي ينشغل بها الكثيرون ولم اقبض منه على شيء مطلقا، فأفكاره متداخلة ومشتتة وغير واضحة بحسب ما بدا لي.
نقلا عن اليوم
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734