الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
AbdullahHabter@
بداية سأورد حادثتين الأولى: قبل مدة ذهبت بصحبة صديق لإحدى أسواق الجملة والمتخصصة في الإكسسوارات في وسط الرياض لشراء ما يحتاجه لعائلته، وخلال تلك الجولة – الاستطلاعية والاستكشافية – لم أرى مواطنا سعوديا ولو موظفا يعمل في تلك المحلات، بل أكاد أجزم لو عُرض فلما وثائقيا عن تلك السوق لظن المشاهد أنها ليست في المملكة، وخلال تلك الجولة تحدثت مع بعض العاملين حول الاستثمار في ذلك النشاط، وعن أجارات تلك المحلات فكانت الأرقام التي سمعت مصدر دهشت لي، أدركت أن أرباح أصحابها تفوق ذلك عدة مرات.
الثانية : ذهبت لإحدى المطاعم الشعبية المشهورة والتي لا يكاد يخلو شارع منها (وكأننا متخصصين في هذا النوع من الاستثمار) لشراء وجبة غداء ، وحين دخلت شاهدت العديد من الزبائن، وتلك الحركة الدؤوبة من قبل العاملين فيه، إلا أنني استغربت وبشدة كونه لا يوجد موظف سعودي على الكاشير، وكعادتي في مثل هذا الموقف الذي يتطلب وقتا للانتظار اليسير؛ أن أبحث يمنة ويسرة لأتحدث مع أحد العاملين، كي لا أشعر بالملل، وحتى أقف على معلومات تهمني – وهي سبب كتابتي لهذا المقال – ، عندها وجدت بغيتي، فقد وقعت عيني على أحدهم وكان مظهره يوحي بأنه المسئول في المطعم إن لم يكن يملك حصة فيه، ودار بيننا حديث حول خدماتهم الراقية ، وسرعة إنجاز الطلبات للزبائن، وكل ذلك حتى أجد مدخلا لما أريده، ثم سألته عن الفروع، وأخبرني بمواقعها وعددها ، فوجدتها في مواقع مشهورة تدل على ملاءة مالية لدى صاحبها – الأجنبي – ، ثم سألته سؤالا حول عدم وجود موظف سعودي لديهم خصوصا على – الكاشير- ؟، فلم يجب، ثم سألته كيف سُمح لهم أن يستثمروا وأن يفتحوا فروعا دون أن يقوموا بتوظيف موظف سعودي واحد لديهم، فأخبرني أن هذا استثمار أجنبي، عندها قلت له : وإن كان استثمار أجنبي، كان من المفترض أن يساعد على توظيف الشباب السعودي، خصوصا وأن الدولة وفقها الله منحت المستثمر الأجنبي نفس الحوافز والتسهيلات التي يحصل عليها المواطن، هذا غير المغريات التي يتمتع بها اقتصادنا، ثم قلت: لعل الهيئة العامة الاستثمار المسئولة عن منح تلك التراخيص تسعى لمعالجة هذا الخلل، وإجبار المستثمرين أيا كانت جنسياتهم، على توظيف السعوديين، وإلا فما الفائدة من استثمار لا أثر إيجابي له على اقتصاد بلدنا!. فرد علي بجملة واحدة إذ قال : “كل هذا حبر على ورق”، وجدت نفسي بعد تلك المقولة في موقف محرج؛ لم استطع الرد عليه، ولم يخرجني من هذا الموقف سوى ظهور رقم طلبي على شاشة الطلبات، فابتسمت له وانصرفت، وأنا أحمل في قلبي أسى على هذه الرؤية تجاه بلدي واقتصاده.
تلك الحادثة جعلتني إلى اليوم أتساءل عدة أسئلة، أبحث عن إجابة شافية، ما حمل هذا الوافد على قول تلك المقولة، بل الأدهى من ذلك، كم من مستثمر أجنبي يحمل نفس الشعور وتلك الصورة نحو أنظمتنا وقوانيننا الاستثمارية، هل السبب عزوف المواطن عن العمل، أم أن هناك سلوكا أتفق عليه المستثمرين في وضع العراقيل والعوائق تجاه ابن البلد تحول دون التحاقه بالعمل في القطاع الخاص، أم هو غياب التكامل والتنسيق بين الوزارات المعنية كهيئة الاستثمار ووزارة العمل، وحتى البلديات – كون للبلديات رقابة على الأنشطة التجارية – أم أن هناك بند لا يجبر المستثمر الأجنبي على توظيف أبناء البلد.
إن الاستثمار الأجنبي يعتبر مطلبا اقتصاديا لأي دولة وأمة مهما بلغت من تقدم ورقي، وهذا راجع لتأثيره المباشر وغير المباشر في مجالات مختلفة كالاقتصادية والتعليمية والاجتماعية؛ والسياسية، فمن خلاله تُنقل الخبرات، ويزداد التوظف، وتنخفض معدلات البطالة – والتي تعتبر هدفا استراتيجي لأي اقتصاد – كما أنه يساعد على نجاح التنمية، وبه تزداد الروابط بين الشعوب، إضافة إلا أنه سببا لتوجيه السياسات بما يحقق مصالح الدول.
في آخر إحصائية على موقع الغرفة التجارية الصناعية بالرياض بلغ عدد المنشآت التابعة للاستثمار الأجنبي في المملكة ما يقارب 13 ألف منشأة فيما بلغ عدد المستثمرين الأجانب ما يقارب 8500 مستثمر، ومن هنا يحق لنا أن نتوجه ببعض الأسئلة لمن يتولى تنظيم الاستثمار الأجنبي لدينا، والإشراف عليه، والمتمثل في الهيئة العامة للاستثمار، ما الهدف من الاستثمار الأجنبي ؟ وهل حقق تطلعات اقتصادنا خصوصا من حيث مساهمته في خلق فرص عمل لتوظيف الشباب وخفض معدلات البطالة.
عندما نقوم بمقارنة بسيطة بين العمر الزمني للهيئة العامة للاستثمار ومعدلات البطالة لدينا، وتحويلات الأجانب العاملين في المملكة، نرى علاقة تسير في اتجاه واحد، فمنذ إنشاء الهيئة عام 1421 هـ / 2000م ، ولها ما يقارب 15 عاما، نجد أن معدل البطالة ارتفع بصورة كبيرة من 8,15% إلى ما يقارب 12%، . تلك العلاقة تجعلنا نتساءل؛ هل ساهم الاستثمار الأجنبي في تخفيف معدلات البطالة بين الشباب ؟ – الإجابة واضحة في السطور السابقة -.
أما فيما يتعلق بتحويلات العاملين الأجانب لدينا ، فبحسب البيانات المتاحة لدى مؤسسة النقد فقد بلغت تلك التحويلات عام 2003 ما يقارب 55 مليار ريال، وارتفعت تلك التحويلات لتصل إلى 107 مليار ريال عام 2012، بمقدار الضعف تقريبا عن 2003، وكأننا في اقتصاد أشبه ما يكون – بالحصالة – لمن يرغب الاستثمار فيه.
تلك العلاقة التي جمعت بين عمر الهيئة وبين معدلات البطالة وتحويلات الأجانب لدينا ؛ يجعلنا نطرح سؤالا واحدا فقط نتمنى إجابة شافية من الهيئة . ماذا حقق الاستثمار الأجنبي لاقتصادنا، وأين الخلل؟
إن غياب الهدف أو عدم وضوحه ، أو حتى السعي لتحقيقه إن وجد من غير مسار واضح يخلق مساحة كبيرة للتشتت، وخللا يمنح طريقا سهلا لمصالح أخرى تُحسن استغلال ذلك بما يحقق مصالحها، يُنتج في النهاية مخرجات تعطي صورة أكثر وضوحا لإخفاق كبير يحتم لمعالجته صياغة هدف آخر قد يلحق بسابقه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال