الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
هناك نكتة مشهورة تروى عن الفساد في اليونان تقول أن أحد السياسيين اليونانيين كان في زيارة لإحدى الدول المشهورة بالفساد وأخذه الوزير المستضيف في جولة داخل البلد. في الجولة قال المستضيف للسياسي اليوناني: هل ترى ذلك الجسر الكبير؟ لقد كلّف ٢٠٠ مليون دولار ثم يغمز له هامسا: وضعت ١٠٪ عمولة في جيبي. ثم هل ترى ذلك المبنى الكبير؟ لقد كلّف ١٠٠ مليون ويهمس: ١٠٪ عمولة في جيبي. بعد أشهر زار الوزير نفسه اليونان واصطحبه الوزير اليوناني في جولة وقال له : هل ترى ذلك البرج الكبير؟ ينظر الوزير الضيف ويقول: لا أرى شيئا. يرد اليوناني: لقد كلّف ٤٠ مليون ويهمس: ١٠٠٪ عمولة في جيبي.
عبر سنوات طويلة استشرى الفساد والهدر في اليونان فلم يكن مستغربا وصولها إلى شفير الإفلاس خلال الأزمة العالمية. استنجدت اليونان بالاتحاد الاوروبي فقدم لها العون بعد مخاض عسير وشروط قاسية جدا على الشعب اليوناني فتم خفض الحد الأدنى للأجور وارتفعت البطالة وحُصرت النفقات كجزء من سياسة التقشف التي اشتُرطت.
في الانتخابات التشريعية الأخيرة وجد حزب سيريزا اليساري في الوضع الاقتصادي مدخلا مناسبا له واكتسح الانتخابات. خاض الحزب الانتخابات تحت شعارات لعبت على مشاعر المواطن العادي الذي عانى بما فيه الكفاية، والتي تعلن رفض التقشف والتمرد على متطلبات الترويكا. وبعد الفوز تشكلت الحكومة واستمرت بنفس الشعارات دون طرح بدائل اقتصادية أو حلول للمشاكل القائمة.
مع كل ذلك، فإن الاتحاد الاوروبي وخصوصا دوله المؤثرة، بدأت تجتمع مع وزراء الحكومة الجديدة لمحاولة الوصول الى تفاهم جديد خوفا من الوصول الى توقف اليونان عن السداد ومن ثم انفلات الأمور نهائيا. حتى الان لا يوجد أي قواسم مشتركة في النقاش سوى طرح وجهات النظر المتعاكسة وطلبات اليونان بشطب الديون والتي لا يبدو أن أي دولة ستوافق عليها. وكما نسمع كل يوم، لا تتوقف التوقعات بخروج اليونان من الاتحاد الاوروبي او على الأقل من العملة الموحدة وما يرافق ذلك من تحليلات لأثر ذلك على الاقتصاد العالمي.
بالرغم من صعوبة الوضع منذ بدايته حتى الان وأثره السلبي اقتصاديا فإن اليونان لن تخرج من الاتحاد الاوروبي. خروج اليونان من جهتها يعتبر انتحارا، فمع صعوبة إيجاد حلول فإن خروجها سيرمي بها إلى المجهول الذي من الممكن أن يدمرها ويقضي عليها اجتماعيا. من جهة الاتحاد الاوروبي، فإنه ليس من مصلحة الدول الكبرى فيه ان تشاهده يبدأ بالتفكك الحتمي بعد خروج أي دولة، فاليونان ليست الدولة الوحيدة التي تواجه تلك المشاكل الاقتصادية بل إن دولا مثل إيطاليا وإسبانيا تفوق ديونها أرقام اليونان بمراحل.
لا أعتقد أننا سنرى حلا سحريا في المدى المنظور لأنه لا توجد أي مقترحات جدية على طاولة المباحثات، ولا أرى أن حل مثل تلك المشاكل الاقتصادية يكون بشطب الديون أو إعادة جدولتها. أي حلول بعيدة عن سبب المشكلة لن تكون حلا. الفساد والهدر وقلة الإنتاجية هي التي أوصلت اليونان ودولا أخرى للوضع الحالي و معالجة ذلك يحتاج إلى تغيير جذري لا طاقة للمجتمعات التي اعتادت على عكسه لعقود طويلة بتحمله.
اذا كانت الأنظمة والقوانين والممارسات لا يمكنها وضع الأموال في مكانها الصحيح فمن الغباء توقع أن يتغير الوضع عبر ضخ أموال جديدة ثم توقع سدادها. لن تختلف الممارسات بتغير الحزب الحاكم أو الشعارات. الشعب يبقى نفسه ولن يتغير.
في الفترة القادمة أتوقع استمرار المباحثات لفترة طويلة ثم الوصول إلى صيغة جديدة لا تختلف عن السابقة ولكنها تمنح وقتا إضافيا لكل الأطراف تدعي خلاله أنها توصلت الى حل إلى أن تندلع الأزمة في مكان اخر. وبمجرد الانتهاء من بحث الموضوع اليوناني أو حتى قبل ذلك، سنسمع عن مشاكل الدول الأخرى من جديد ولن تخرج أي دولة من الاتحاد الاوروبي. حلقة مفرغة لا أكثر ولا أقل.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال