3666 144 055
[email protected]
قدمت سياسة دعم الطاقة في المملكة مزايا حماية جيدة للطبقات منخفضة ومتوسطة الدخل وكذلك الصناعات الوليدة لتمكينها من المنافسة ، وقد خدمت هذه السياسية عدد من القطاعات بصورة كبيرة تحديدا فيما يرتبط بالصناعات الأساسية ، إلا أن الدعم المتواصل على مّر العقود والغير موجه في ذات الوقت قد خلّف انعكاسات سيئة على مستوى الأسواق والصناعات فمعدلات الربحية المتحققة لا تتضمن التكلفة الحقيقية للإنتاج ،بالإضافة إلى تأثيرات أخرى على مستوى المالية العامة للدولة.
ولايزال الدعم المقدم من قبل الحكومة يلعب دورا مهما كأحد العوامل الرئيسة التي تفسر النمو المطرد لزيادة استهلاك الطاقة في المملكة ، فالأسعار الرخيصة التي يدفعها المستهلكين والمنتجين الناتجة عن الدعم حفزت المزيد من الاستهلاك ، وإذا ما أضافنا إلى حجم الاستهلاك الحالي الطلب المستقبلي المُتوقّع نتيجة النمو السكاني المتزايد والتمدد العمراني فإن هذا التطور سيؤدي إلى استئثار الاستهلاك المحلي على حصة الصادرات مما يمثل ايرادات ضائعة للمالية العامة من جانب وزيادة في
فاتورة النفقات من جانب آخر حيث تصل تكلفة الدعم ما يقارب 4% من اجمالي الناتج المحلي السعودي حسب صندوق النقد الدولي.
وعلى مستوى الأسواق والصناعات، ساهم الدعم في خلق فجوة سعرية Price- Gap بين الأسعار المحلية والعالمية وهذا الفارق لا يعود الى ميزة تنافسية تتمتع بها طبيعة الصناعة أو القطاع من تحسن جودة السلع المحلية أو التقدم في الوسائل الانتاجية المستخدمة بل يعود في- الغالب – إلى أن هذه القطاعات تستلم المدخلات بأسعار أقل؛ وهذا ما منع الصناعات الوطنية من التعرض المباشر للهيب المنافسة وحرمها من منافع هذه الضغوط.
وقد ترتب على ذلك انخفاض الحافز للابتكار وضعف الكفاءة الاقتصادية مما جعل الصناعات تركز جلّ اهتمامها على انتاج كميات اضافية لتعظيم الاستفادة والاستغلال من الطاقة الرخيصة دون اعتبارات تخص رفع كفاءة الأداء التشغيلي او ضغط التكاليف، مستأنسة بمعدلات الربحية العالية.
و بوجه عام ،فإن اصلاح الدعم يعني اعادة تشكيل السلوك الاقتصادي والذي سُيعيد بدوره ترتيب جاذبية الفرص الاستثمارية وتوجيه القطاعات الإقتصادية من النمو المدفوع بالدعم إلى النمو المدفوع بالكفاءة ، وسيساند هذا الجانب الاتجاهات الحديثة لدينا نحو ريادة الأعمال وثقافة الابتكار وسينطوي على ذلك تأثيرين هامين الأول يتركز في تنويع النشاط الاقتصادي ومن ثم القاعدة الاقتصادية و الثاني هو المساهمة في عملية التوظيف.
و من حيث الأهمية لا ينبغي أن نجادل في أن الفئات ضعيفة الدخل يجب أن لا تتضرر، ففكرة الدعم في الأصل ارتبطت بمصلحة هذه الفئة وفي ذات الوقت فإن سياسة الإصلاح أيضا لا تقتضي بالضرورة الإضرار بهذه الفئة أو خفض قوتهم الشرائية.
وفي حال تم اصلاح الدعم تدريجيا في المملكة فان هذه التجربة لن تكون الأولى أو الوحيدة من نوعها فالعديد من الدول النفطية والغير نفطية و التي يقل فيها نصيب الفرد من الناتج عن نصيب الفرد السعودي سبقتنا في هذا المجال، ورغم تفاوت الآثار بين الدول وصعوبة اسقاط نتائج تجاربها على الإقتصاد السعودي تبعا لاختلاف التركيب الهيكلي للاقتصاد وطريقة تقديم الدعم ،إلا أن الآثار المحتملة ستتركز في آثار تضخمية في الأجل القصير مقابل زيادة الكفاءة الاقتصادية في المديين المتوسط والطويل وتخفيف
العبء المستقبلي على المالية العامة إضافة إلى تقوية الوضع التنافسي للصناعات.
وبناء على ما سبق فإن هذه الأبعاد المتعلقة بالمخاطر المتوقعة للمالية العامة وتشوه الأسواق الناجمة عن سياسة الدعم تستدعي التوقف و اعادة طرح التساؤل القديم مرة أخرى ،لماذا ينبغي أن نقدم الدعم ومن الذي يستفيد منه ؟وماهي درجة فاعليته في تعزيز النمو وتنويع القاعدة الاقتصادية خلال العقود الماضية؟ هذان السؤالان يستوجبان تجاوز الجدل إلى اعادة التقييم الكمي لتأثير الدعم على المتغيرات الاقتصادية.
خلاصة القول أن هذا الاجراء ليس سهلا الا أنه ضروري لسلامة المالية العامة واستدامة النمو ، إذا ما تجنبنا أن تكون السياسة المصممة فورية أو شاملة ،ومثلما يردد اقتصاديو النقد الدولي ” العمل الدقيق خير من العمل العاجل”.
السملق
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734