3666 144 055
[email protected]
النية شرط لوقوع الاختلاس، ولكن وجود حسن النية لا يحمي إدارة الشركة عندما تقع في الأخطاء المحاسبية الناتجة عن الجهل. ينخدع بعض التنفيذيين بعبارات مثل: “لا تقلق، سنحرص على اتباع المعايير، ولكن المهم كم تريد أن تكون أرباحنا لهذا العام؟!” ويظن البعض الآخر من التنفيذيين أن من واجباته توزيع الأرقام حسب “أهداف” الإدارة وليس “أداء” الإدارة.
شاهدوا الفضائح المالية التي تتزايد كل يوم؛ هناك دائما مجرم لم يظهر بعد وآخر مسكين تم استغفاله. لم توضع الشخصيات المسؤولة ـــ في معظم الحالات ــــ تحت المجهر القضائي بعد، إلا أن التغيير قادم. التوزيع الجيد للوعي بين متخذي القرار سيجعل المسألة أكثر اتزانا، وتمركز المعرفة بلا توازن سيعجل بفضح أحدهم.
يستخدم مصطلح “إدارة الأرباح” أوEarnings Management للكناية عن فعل غير مقبول، تتم من خلاله محاولة تفصيل شكل القوائم المالية للشركة حسب الرغبات الخاصة ببعض الأفراد في إدارة الشركة وليس حسب الواقع الفعلي لأدائها. وبما ينطوي عليه هذا الفعل من خداع للمساهمين، فهو فعل محرم تحاول المعايير المحاسبية ونظم الحوكمة والرقابة تفادي الوقوع فيه.
على الرغم من أن إدارة الأرباح قد تعتبر أقل درجة من الاختلاس المباشر، إلا أن الوقوع فيها بسبب الجهل والإهمال يتحول إلى عمل إجرامي إذا كان الإهمال جسيما.
وكما قامت هيئة سوق المال الأمريكية برفع قضايا على إدارات الشركات التي تمارس إدارة الأرباح واستهدفت عديدا من الأفراد ككبار التنفيذيين والمديرين الماليين، لا أستبعد أن يتجه عديد من الجهات محليا إلى هذا الأمر. ستتداعى قضايا السوق التي تظهر للسطح اليوم بقدر أكبر في المستقبل القريب وسيضطر عديد من الجهات إلى التحرك، والحصيف هو الذي يحمي نفسه من السقوط في دوامة الفضائح التي لا ترحم.
يتذاكى صناع القرار ويؤثرون في ما يعرض في القوائم المالية بطريقة تظهر وكأنها تتفق مع المعايير المحاسبية، ولكنها في الحقيقة تخالفها. ويبدأ اللعب في المناطق الرمادية بالاعتماد على بعض الخبرات ـــ غير النزيهة ــــ في المعايير والأنظمة. عند وقوع الخلل يحدث التعلم، ويرافقه العقاب. على الرغم من أن الأنظمة القضائية المتخصصة لا تزال دون التطلعات إلا أن تطورها ملحوظ، وقد تستهدف الشخصيات المستنفعة من هذه السلوكيات في القريب العاجل؛ من الطبيعي حينها أن تشمل الادعاءات كل من شارك في الجرم، سواء كان مستشارا للإدارة أو مراجعا للحسابات أو من موظفي الشركة المتخصصين.
بالطبع يتطلب محاربة هذا الأمر مشاركة عديد من الجهات والأطراف. محليا نجدها بدأت فعليا في التعاون فيما بينها وتظهر بين وقت وآخر عديد من المبادرات، مثل مشروع الإيداع الإلكتروني للقوائم المالية “قوائم”. إلا أن المحرك الرئيس لمحاربة هذه السلوكيات والحد من تأثيرها في السوق ومشاركيه هو المساهم نفسه. هو المستثمر الذي يقرأ القوائم المالية، حين يملك الوعي سيحتاط لأجله أعضاء الإدارة بكل طبقاتها. حينها فقط ستتشكل أكبر عوامل الضغط على دائرة الحوكمة وستتجه المؤثرات نحو الشفافية والانضباط بدلا عن الإخفاء والفوضى.
لا تنحصر حاجتنا إلى زيادة الوعي عند المساهمين فقط، بل حتى أعضاء إدارات الشركات ومجالسها في حاجة إلى جرعات معتبرة من الوعي المحاسبي المتخصص والتركيز على الجوانب الأخلاقية والفنية تحديدا؛ وأراها من المسؤوليات الذاتية لهؤلاء الأعضاء، سواء كانوا من كبار الموظفين أو التنفيذيين أو أعضاء مجلس الإدارة. المشاركة في اتخاذ القرار أو التأثير عليه مسؤولية كبرى تتطلب استحقاقات متعددة، ومن أهمها الكفاءة والتأهيل. وعلى من لم يجد في نفسه الكفاءة ـــ ووجد نفسه في مكان كهذا ــــ التعجل بالتعلم لكيلا يقع في مصيدة الأخطاء، أو يكف يده بنفسه احتراما لذاته ولمن حوله.
لا نستطيع الحكم على مسائل التلاعب المالي بمعزل عن الضغوط التي يواجهها المديرون وصناع القرار داخل الشركات. تشكل الضغوط المحفز الأكبر الذي يجعل محاولات تحسين الصورة إلى طبخ للدفاتر. إلا أن تبرير ذلك بسوء التقديرات وضعف المعرفة المتخصصة وإهمال المعنيين بالأمر لن يبرئ أي طرف، وعلى المخطئ في كل الأحوال تحمل المسؤولية، عاجلا أم آجلا.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734