3666 144 055
[email protected]
يظن بعضنا أنه يسيطر على شؤونه المالية ولكنه يرى أن الدخول في التفاصيل مضيعة للوقت. ستجد أن ميزانيته الشهرية تحوز عدة ثقوب لأنه ببساطة يرمي كل الفواتير في سلة المهملات وربما يرفض من الأساس أخذ الفواتيرعند الشراء. التحكم في مسيرة أي مشروع يستلزم النظر في قنواته وتفاصيله وترتيبه حسب ظروف ومعطيات هذه التفاصيل. الترفع عن معرفة التفاصيل من أبواب الإدارة بلا معرفة، تلك التي تشبه الخلط بين الفوضى والمقامرة، لن تعرف النتيجة في الوقت المناسب ومع ذلك ستتحملها في كل الأحوال!
من الطبيعي أن تضطرب ميزانية من لا ينظر في التفاصيل، ومن المتوقع أن تضيع مداخيله فيما لا قيمة له، وربما بعد مرور السنوات سيشعر بالفارق المعيشي بينه وبين بعض أقرانه، ولكن حينها لن ترجع الريالات التي سقطت في تلك الثقوب السوداء.
تتفق كل توصيات الإدارة المالية الشخصية وتجمع على أهمية وجود ما يمسى بالموازنة الشخصية Budget. من المهم جدا وجود تلك الخطة التي تبين خريطة الطريق، التي تشرح الخطوات المحتملة، والتي تطرح الواقع قبل حدوثه وتمكِّن صاحبه من الاحتياط له.
لن تدير الدول اقتصادها في دول موازنة، ولن تنجح الشركات في أعمالها دون خطط محكمة وتصورات معقولة لمستقبل أنشطتها، وكذلك على المستوى الفردي والأسري، لابد من وجود موازنة تحدد ملامح الداخل والخارج من الأموال، وتمكن الشخص من التمركز حول ما يجب معرفته بالطريقة الصحيحة. غياب الموازنة يعني الابتعاد عما يقوم به وعما يمكن القيام به، لذا تتفتت عند غياب الموازنة قدرات الشخص المالية وتتبعثر طموحاته ويصبح أكثر عرضة للهدر والتفريط والفقدان وربما ـــ لا سمح الله ـــ للخسارة والورطات.
الموازنة بكل بساطة هي مجرد أداة لتخطيط السيولة؛ يمكن استخدامها على أساس زمني “شهري أو سنوي” أو نوعي “للمشروع مثلا”. وبالنسبة للأفراد نعني بالموازنة حصر مداخيلهم ومصاريفهم في ورقة أو دفتر صغير يبين لنا ما الذي سيحصل في المستقبل، أي كيف ستُصرف هذه المداخيل؟ بالطبع يجب ألا تكتب الموازنة على الورق فقط، لربما تكون على ملف جداول البيانات “إكسل” أو حتى تطبيق متخصص في جهاز الجوال، ولكن من المهم جدا ألا نحتفظ بها في الذاكرة فقط فهي هناك عرضة للنسيان، يصعب تتبعها ولا يمكن عرضها بوضوح لبقية أفراد الأسرة.
تبدأ الموازنة الشخصية البسيطة من قرار قوي باستخدامها يتبعه الإيمان بأهميتها، التردد والتسويف وربما التقليل من فوائدها لن يجعل الأمور أفضل. أما بناء الموازنة فهو ينحصر مبدئيا بين عنصري الدخل والمصروفات. مجرد بناء نموذج الدخل ومكوناته التي قد لا تقتصر على الراتب الشهري، مع إضافة نموذج المصاريف ومكوناتها حسب الواقع “البند والطبيعة والتكرار”، سيجعلنا أقرب إلى السيطرة على شؤوننا المالية بخطوات ضخمة مؤثرة. وهذا ما يكتشفه الكثيرون عند المقارنة بين حالة الحيرة الموجودة قبل إعداد الموازنة، وتحديدا عناصر الدخل والمصروفات، وبين الثقة التي تنشأ بعد مجرد توثيق هذا الجزء المهم من المعرفة المالية الشخصية.
بعد حصر عناصر الدخل والمصروفات وتصويرها زمنيا يأتي تصميم الموازنة بالمقارنة بين هذين الشقين المهمين. في هذه الخطوة تحدث أهم مراحل الموازنة التي تتعلق بوضع الحدود على المصروفات، ربما تكون الأصعب خصوصا إذا تضمنت نقاشا مباشرا مع أفراد الأسرة، في كل الأحوال هي خطوة ضرورية ومواجهتها أفضل بمراحل من تجاهلها ومن ثم الوقوع في الجدل والخصام لاحقا دون أي نتائج إيجابية.
بعد هذه المرحلة يتم الانتقال فعليا من التخطيط إلى التنفيذ، حيث تبدأ عملية الصرف والإدارة الفعلية للموازنة. استخدام الأدوات فن يجب إتقانه بأي طريقة تناسبنا شخصيا؛ يستطيع من يريد أن يحمل من الإنترنت برمجيات المتابعة المجانية، أو يصمم جداوله ونماذجه بنفسه أو حتى يرصد أنشطته في ورقة جانبية، أو على الأقل يجمع الفواتير بطريقة منتظمة في صندوق صغير في غرفة الجلوس. المهم، أن تحصل المتابعة بطريقة جيدة تتضمن على الأقل هذه الأدوار: رصد حركات السداد والتسلّم، مقارنة خطة الصرف بواقع الصرف، وملاحظة طريقة الخروج عن الخط ـــ حتى يمكن تعديل الموازنة مستقبلا أو تفادي بعض السلوكيات المدمرة للموازنة. قد تكون المرة الأولى التي ندير فيها الموازنة الشخصية غريبة بعض الشيء، وربما يحرج البعض من مشاركة الآخرين فيها. ستزول الغرابة بالتأكيد بعد مضي الوقت وليس بالضرورة أن يعرف الآخرون عن الموازنة الشخصية، المهم هنا أفراد الأسرة الذين يتأثرون ويؤثرون في الموازنة، والأهم هو التعامل مع كل هذه التفاصيل بما تستحقه من الاحترام والتخطيط.
نقلا عن الاقتصادية
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734