الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لغويا، التحليل هو تقسيم الشيء إلى عناصره وأجزائه الأساسية لدراستها على حدة وتفسيرها والخروج باستنتاج معين بخصوص الشيء نفسه أو عوامل أخرى تتعلق به. في المالية والاقتصاد كل شيء بحاجة إلى تحليل. ولا تخلو شركة أو سلطة رقابية أو هيئة حكومية من وجود المحللين الذين يقومون بدراسات مفصلة لمختلف الأمور تمهيدا لاتخاذ القرارات من قبل المسؤولين. يقوم كل مسؤول باتخاذ قراراته بعد مراجعة عمل المحللين ثم استخدام تقديره الشخصي لكل الأمور المحيطة كونه هو من يتحمل مسؤولية وعواقب القرار سواء السلبية أو الإيجابية. تعودنا في منطقتنا العربية أن نشاهد المحللين السياسيين على شاشات التلفزة بكثرة، لكن الأمر انتقل فيما بعد إلى عالم المال والأعمال مع زيادة البرامج والقنوات الاقتصادية وخصوصا خلال فترة طفرة الأسهم قبل عدة سنوات. في البداية لم يكن سهلا العثور على محللين ماليين ليس بسبب عدم توفرهم ولكن لأن الظهور الإعلامي لا يعتمد على المعرفة والخبرة فقط بل يحتاج إلى إجادة الكلام بلغة واضحة والقدرة على إيصال الفكرة بأسرع وقت بالإضافة إلى القدرة على مناقشة أمور طارئة خلال النقاش على الهواء. زاد عدد من يظهر على الشاشات بشكل مُلفت خلال تلك الفترة وأصبح الكثير منهم يستخدم ظهوره الإعلامي للترويج لنفسه عبر رمي التوقعات يميناً ويسارا ثم الإشارة لتوقعاته الصائبة. ونظرًا لأننا كنّا في فترة صعود لمدة طويلة أصاب معظمهم حتى جاء الانهيار واختفى عدد غير بسيط من المحللين الطارئين على الاستثمار بشكل عام. في الفترة الحالية، زادت وسائل التواصل الاجتماعي من المعاناة. فإن كان الشخص في السابق بحاجة إلى أن تقبل المحطة التلفزيونية بظهوره على شاشتها، فإن الشخص نفسه ليس بحاجة الآن سوى لإنشاء حساب على المواقع وممارسة تفاهاته. أسميها تفاهات لأنها من النوع الذي يضر ولا ينفع أحدا. تجد الشخص منهم يفتي ويحلل باستخدام بعض المصطلحات التي قرأها في مكان ما ويضع التوقعات التي يتحدى أن تخطيء. والأنكى أنه يدخل في جدالات مع أي من يناقشه ويخبره عن صولاته وجولاته مع أن أحدا لم يسمع به من قبل. المؤسف ان بعض هؤلاء يظهرون أيضا على الشاشات مما يعطيهم مصداقية معينة عند المتابعين الذين ليس لديهم خبرة كافية. انا شخصيا لا أستطيع أن أرى الفائدة المهنية التي يجنيها شخص يقوم بتلك الأمور، أي أن يقوم بتوقع ارتفاع السوق مثلا ويتحدى أن يكون مخطئا، وإذا ارتفع السوق فعلا يقيم الدنيا ولا يقعدها فرحا بالانتصار. من يعمل في القطاع المالي يعرف جيدا أن رأس ماله الحقيقي هو سمعته ولا شيء آخر. وهذه السمعة تبنى بالدراسة ثم بالعمل واكتساب الخبرة على مر سنوات طويلة. ولا يمكن لمن حقق سمعة جيدة أن يخاطر بها لأسباب تافهة كالتي ذكرتها. المحلل المحترم والكفؤ لا يحتاج للتطبيل على وسائل التواصل الاجتماعي لإثبات جدارته فإنجازاته وأعماله تتحدث عنه. في المقابل، معظم المحللين من النوع التافه لا يمكن أن تجد سيرته الذاتية في أي مكان، وإن وجدتها فهي فارغة من أي مضمون مثل فراغ كلامه من أي فائدة. مع كل ما ذكرته، لا مانع لدي من أن يقوم أي كان بتحليل أي سوق يناسبه بل وأن ينشر توقعاته كما شاء، لكني أعترض فقط على اعتبار ذلك عملا جبارا أو نجاحا باهرا. من يملك الخبرة الحقيقية يعرف بأن أي شيء ممكن أن يحدث في الأسواق فالمتغيرات كثيرة والعوامل المؤثرة أكثر. لذلك، فإن سعي الجميع نحو تطوير الأسواق وزيادة الشفافية يحتم على كل المتعاملين إهمال تلك النوعية وعدم إعطاؤها حجما لا تستحقه. ختاما، قد يعتقد البعض أن لي مصلحة في الكلام الذي أقوله كوني أعمل في القطاع نفسه. ردي على ذلك أن وجود هؤلاء من عدمه لا يؤثر في عملي إطلاقا، كما أن سيرتي الذاتية واضحة، فلم أبن خبرتي بالكلام والثرثرة. الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال