الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
البهجة العارمة التي غمرت المجتمع بعد قرار مجلس الوزراء بفرض رسوم على الأراضي البيضاء تعكس أموراً كثيرة. وأولها أن أزمة السكن قد وصلت إلى درجة من التعقيد بحيث أصبح الكثير لا يتوقع لها حلاً. ولذلك فقد انتاب الناس شعور بالفرحة عندما رأوا أن الحكومة بقيادة خادم الحرمين الشريفين تضع هموهم على رأس أولوياتها. فهذا البصيص من الأمل بأن أزمة السكن سوف تنفرج قد أحدث نوعاً من التفاؤل عبرت عنه عاصفة التعليقات التي اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي بعد القرار آنف الذكر.
الأمر الآخر الذي يسترعي الانتباه هو أن أزمة السكن ما كان لها من الأساس أن تصل إلى هذا الحد الذي يستدعي تدخل الحكومة لو لم نخلق نحن بأنفسنا وبصورة مصطنعة العوائق التي تحول دون تطور النشاط العقاري في بلدنا. فمنذ فترة كنت في المنامة وقبل أمس حضرت المعرض العقاري في موسكو. وفي كلا العاصمتين لاحظت أن المشاريع السكنية الضخمة المصممة بأحدث المواصفات تتسابق مع بعضها لمناطحة السحاب. فأين نحن من ذلك ولماذا نبقى أسرى لتلك المشاريع السكنية البدائية التي تصمم بناياتها بشكل يشبه العنابر والصناديق المصنوعة من الاسمنت؟
أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال على درجة كبيرة من الأهمية.
فنحن لو لم نضع العراقيل التشريعية والقانونية المصطنعة لما كانت للأراضي البيضاء أن تنشأ وتتحول إلى مشكلة أصلاً. فقبل صدور نظام الرهن العقاري الذي ينظم عمل شركات التمويل العقاري كان نشاط تلك الشركات مقيداً بشكل كبير. وفي ظل غياب الشركات العقارية الضخمة نشأت الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الإمكانات المالية المحدودة. وهذا بدوره أدى إلى التوسع العمراني الأفقي بدلاً من العمودي وإلى ازدحام المدن بالبنايات -ذات الطابقين- المتدنية المواصفات وذلك على حساب المتنزهات والحدائق العامة. الأمر الذي أدى إلى تشوه مدننا.
وليس ذلك وحسب. فالتشدد المصطنع والمبالغ فيه ضد نشاط شركات التمويل العقارية لم يؤدِ فقط إلى غياب الشركات العقارية الضخمة ونمو الشركات العقارية ذات الإمكانات المالية والفنية المحدودة، مثلما ينمو الفقع بعد المطر، وإنما أيضاً إلى غياب تصنيف الشركات العقارية. وهذا أمر طبيعي وتحصيل حاصل. فالتصنيف العقاري في ظل النزعة المتشددة للتشريعات العقارية كان من الممكن أن يؤدي إلى شلل أي نشاط عقاري وإلى تفاقم أزمة السكن.
أن الرسوم على الأراضي البيضاء بالتأكيد لن يحل المشكلة السكانية التي تراكمت خلال عشرات السنين. وهذا أمر يدركه الجميع. ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة كما يقول المثل. فالمغزى من فرض الرسوم واضح وهو أن الحكومة في طريقها إلى إعادة تقييم شامل لكافة الجوانب التي أدت إلى تفاقم أزمه السكن وذلك من أجل وضع الحلول الناجحة لها.
بيد أن الأهم هو الدرس الذي يفترض أن نستخلصه مما سبق حتى لا تتكرر وتتفاقم لدينا الأمور والمشاكل وتتحول إلى أزمات على الشكل الذي رأيناه مع العقار. فنحن يجب ألا نترك للنزعة المحافظة أن تسيطر على الجوانب المفصلية من حياتنا العملية ومن أهمها المجال التشريعي والقانوني الذي يعتبر الأساس لتطور كافة النشاطات سواء كانت عقارية سياحية أو ثقافية واجتماعية أو غيرها.
نقلا عن الرياضش
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال