3666 144 055
[email protected]
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
في عام 2010 كان وزير مالية البرازيل جيدو مانتيغا أبرز من تحدث عن مصطلح حرب العملات وأثرها على الاقتصاد العالمي. أخذ الموضوع حيزا كبيرا في الإعلام وفتح باب الجدل على مصراعيه. لم يكن المصطلح جديدا أو طارئا لكنه في خضم الأزمة العالمية أحدث ضجة كبيرة ما زالت مستمرة حتى اليوم وإن كانت أقل من السابق.
المقصود بحرب العملات هو محاولة كل دولة إضعاف عملتها المحلية مقابل العملات الأخرى لتتمكن من دعم صادراتها حيث أنها تصبح أرخص من منتجات دول أخرى. وهذا المبدأ بدوره يستند إلى الأسس الاقتصادية القديمة التي تعتبر الصادرات والواردات أساسا لاقتصادات الدول وأن التنافس يكون عبر محاولة الحصول على حصة أكبر من السوق من خلال تصدير المزيد من المنتجات الوطنية وهذا كله لا خلاف عليه لكن لا يمكن إغفال العوامل الأخرى التي في رأيي لها تأثير أقوى على الاقتصاد والعملات.
بطبيعة الحال، من يحذر من حرب العملات أو يشير إلى خطرها فهو غالبا متضرر من هبوط عملة دولة مقابلة يطمح للتصدير لها. فالوزير البرازيلي مثلا ألمح إلى سياسات التيسير الكمي التي كان الفدرالي الأمريكي يقوم بها مضعفا الدولار مما يجعل الواردات إلى أميركا أغلى ويضعف تنافسية الدول التى تسعى للتصدير إلى أميركا. في المقابل، اشتكت الولايات المتحدة الأميركية بدورها من إجراءات الحكومة الصينية التي كانت تحافظ على مستوى متدن لعملتها داعمة الصادرات الصينية، وقد أخذ الاتهام الأميركي للصين أيضا حجما كبيرا في الإعلام.
هل فعلا اذن توجد حرب عملات تخوضها الدول حاليا؟
جوابي هو لا واضحة جدا لأسباب عديدة.
قبل شرح الأسباب يجب توضيح أن ضعف العملة يساعد اقتصاد الدولة في حالات كثيرة ويدعم صادراتها بكل تأكيد وليس هذا ما أناقشه. ما أتحدث عنه هو مدى قدرة الدول حاليا على اتخاذ إجراءات مباشرة لإضعاف عملتها وتحقيق المكاسب من وراء ذلك.
الحرب بداية تحتاج إلى متحاربين وأسلحة. الدول صاحبة العملات تشكل الأطراف المتنازعة وكل منها يبحث عن مصلحته بغض النظر عن مصالح الدول الأخرى، لكن هل الأسلحة متوفرة؟
لو كانت الأسلحة متوفرة والحرب محصورة بسعر صرف العملات لرأينا حربا في الصادرات وفي الانتاج. الحقيقة أن السلاح ليس متوفرا للجميع لأن منتجات دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية التي ضعفت عملتها بشكل كبير لم تتمكن من التفوق على المنتجات الصينية. المنتجات الصينية بقيت أرخص ولكن هذا لم يكن بسبب سعر صرف العملة. الصين تفوقت لأنها تمكنت من خلق البيئة الانتاجية المناسبة على مر السنوات مستغلة الموارد البشرية الهائلة التي وظفتها في استثمارات ضخمة أصبحت تنافس عالميا.
المنتجات الصينية والطلب المرتفع عليها أثر على دول عظمى مثل اليابان وأمريكا. حاولت اليابان بدورها إضعاف عملتها ومازالت تقوم بذلك لكن النتيجة سلبية حتى الان. اليابان حققت نموا هائلا في السابق ليس بسبب ضعف الين الياباني لكن بسبب جودة المنتجات اليابانية والابتكارات والطلب العالمي على منتجاتها. عندما تتمكن الدول من صناعة منتجات محلية بكلفة منخفضة وجودة عالية لا يكون ذلك بسبب السياسة النقدية التي أضعفت العملة إنما بسبب الابتكار ووضع الموارد في مكانها الصحيح.
لا يمكنني أن أتخيل اليوم مثلا أنه يمكن لمنتجات أمريكية أو أوروبية مثلا أن تنافس المنتجات الصينية فقط اذا زاد سعر صرف اليوان الصيني. السياسة النقدية عامل مساعد لإدارة الاقتصاد ودفعه للنمو، لكنها لن تتمكن من دفع اقتصاد متهالك للتفوق على اقتصاد قوي لديه موارد هائلة. الصين هي الوحيدة التي امتلكت السلاح وهو الموارد والاستثمارات والمنتجات. حافظت على عملة ضعيفة وتمكنت من الحفاظ على أفضلية لمنتجاتها.
اذا راجعنا الأحداث الاقتصادية التي مرت خلال السنوات الماضية لما وجدنا أي فائدة جنتها الدول التي افترض البعض أنها تحارب في العملات. لذلك فإنني أستخدم وصف “خرافة حرب العملات”.
أي دولة لا تمتلك تنافسية أساسية لمنتجاتها وتعتقد أنها يمكنها بيع المنتجات عبر إضعاف العملة فقط، فهي تسير وراء خرافة حرب العملات.
الخطيب
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734