3666 144 055
[email protected]
عضو معهد التقييم الكندي (AIC)
العم أبو سليمان يمتلك أرضاً مساحتها أكثر من مليون متر مربع, و تقع داخل النطاق العمراني لإحدى أهم و أكبر مدن المملكة, امتلك أبو سليمان و ثلاثة مستثمرين هذه الأرض في عام 1426هـ الموافق 2005م, أي قبل 10 سنوات تقريبا, و حاليا تضاعفت قيمة المتر المربع لأرضه من 300 ريال إلى 1700 ريال أي بارتفاع يقدر بأكثر من 450% بمتوسط 45% سنويا, لذا يصر أبو سليمان على الإحتفاظ بتلكم الأرض مع رغبة شركائه الشديدة بالبيع منذ أكثر من 3 سنوات, و بسبب حصة أبو سليمان الغالبة في ملكية الأرض بنسبة 60% كان يرفض كل العروض التي تأتيهم لشراء الأرض أو تطويرها, و يعمد أبو سليمان إلى هذه “الإستراتيجية الإستثمارية” لأنه متيقن أن للعقار ثلاث ميزات أساسية ورثها من أبائه الأولين, أولها و أهمها أن العقار “لا يأكل و لا يشرب”و ثانيها أنه “ولد بار” و ثالثها أنه “يمرض و لا يموت”.
حاليا يشهد المستثمرون في المجال العقاري “تجار العقار” هجمة إعلامية شرسة على جميع المستويات و الأصعدة سواء من خلال الصحف الورقية أو الإلكترونية أو منصات التواصل الإجتماعي و ذلك عبر شيطنتهم و تصويرهم بأنهم أساس مشكلة السكن, و يرجع ذلك إلى الصورة النمطية في أذهان العامة عن العقاريين و المتمثلة بـ”العم أبو سليمان”, لذا كان لزاما أن تتضح الصورة للجميع عن ماهية المتعاملين في سوق العقار و دور كل طرف حتى تتضح مكامن الخلل و أسبابه و بالتالي نتعرف على مسببيه. و لذا في وقتنا الحالي و باختصار هنالك نوعان من “تجار العقار”, الأول هو المطور العقاري و الثاني هو المُحتكر.
المطور العقاري بأبسط صوره عبارة عن شركة أو مؤسسة أو مجموعة من المستثمرين يعمدون إلى شراء الأراضي و البلكات الصغيرة بكافة أنواعها سواء السكنية أو التجارية أو الصناعية, و من ثم ينشأ عليها المباني إما بقصد البيع أو الإستفادة من دخلها على المدى المتوسط و البعيد, و ما نحتاجه حقيقة في المرحلة الحالية هو المطور الأكثر قدرة و احترافية و الذي بامكانه تطوير مئات الآلاف بل الملايين من الأمتار المربعة ليحول الأراضي الخام إلى قطع أراضي صالحة للبناء من قبل المستفيد النهائي أو من قبل المطور البسيط, و ما يطمح إليه السوق بشكل أكبر أن يقوم المطورون بتحويل تلكم الأراضي الخام إلى مجمعات عقارية متعددة الإستخدام, بحيث تحوي الوحدات السكنية بكافة أشكالها (شقة, فيلا, دبلكس…), و كذلك وحدات تجارية مساندة من مكاتب و محال و معارض, و هذا هو الدور الحقيقي للمطور الذي نطمح لتفعيله في الوقت الحالي لحل إشكالية السكن, و الحقيقة أن هذا النوع من مشاريع التطوير الضخمة قد شهد نموا مطردا خلال السنوات الخمسة الماضية, من خلال تكتلات لمستثمرين عقاريين وحدوا جهودهم لإنشاء شركات تطوير إحترافية, و كذلك من خلال تفعيل الصناديق العقارية و التي تشرف عليها هيئة سوق المال و تديرها شركات الإستثمار المالي, ولكن ما يزال السوق العقاري متعطشا لهذه النوعية من المشاريع التي يقودها المطورون ذوي الإحترافية و المهنية.
أما النوع الثاني من العقاريين و الذي يمثلهم “العم أبو سليمان” فهو أسلوب استثماري عفى عليه الدهر, و أدق مصطلح لوصف أصاحبه, هو احتكار القلة (Oligopoly), و الذي يعني استئثار مجموعة صغيرة من الأفراد أو الشركات على سلعة أو صناعة معينة, فعند النظر إلى الأراضي داخل النطاق العمراني فستجد أن الأقلية هم من يملكون أغلب الأراضي البيضاء ذات الأسعار العالية و التي لم و لن يتمكن متوسطي الدخل بتملكها بقيمها الحالية, و المتأمل في نسبة تملك السعوديين للسكن و التي تشكل 36% وفقا لتقرير صندوق النقد الدولي في 2014م, توضح بجلاء أن الأقلية هم المسيطرون على السوق العقاري و أن الأغلبية المتبقية 64% لا يمتلكون وحدة سكنية بل أن أغلبهم و إن رغب فإنه لا يستطيع إمتلاك وحدة سكنية في ظل الإرتفاع الشديد في قيمتها و بالأخص معدل قيمة الأرض بالنسبة للوحدة السكنية, و التي وصلت إلى قرابة 50% أو تزيد في بعض الأحياء, بينما معدل قيمة الأرض إلى الوحدة السكنية المقبول عالميا بين 25% إلى 35% كحد أقصى.
الخلاصة, ليس كل “تاجر عقار” يمكن أن يصنف ضمن فئة المحتكرين لأن منهم مطورون يشكرون على جهودهم و إسهامهم في مسيرة التنمية و ضخ المنتجات العقارية بشتى أنواعها، كما أنني لا أستطيع أن أضع اللوم فقط على المحتكرين، بقدر ما ألقي باللائمة على الأنظمة الركيكة و الممارسات الحكومية الخاطئة التي سمحت بأن تتحول سلعة أساسية للمواطن تتمثل بالأراضي السكنية إلى سلعة لكنز الأموال لا تضيف للإقتصاد أو التنمية اي قيمة تذكر, لذا يأمل المراقبون أن تصدر الجهات التشريعية آليات مُحكمة لتنظيم سوق العقار و من أهمهما آلية رسوم الأراضي البيضاء, مع الحرص على سد الثغرات التي قد تؤدي إلى التهرب منها، و ذلك لكي تحقق أهدافها على المدى القريب و البعيد، و من أهم تلكم الأهداف كبح جماح أسعار العقار السكني و تصحيح وضعها لتناسب متوسطي الدخل و تهيئ لأغلب شباب الوطن تملك وحدة سكنية تضمن لهم السكينة و الإستقرار الأسري. و نقول للمُحتكرين أن العقار “سيأكل و يشرب” قريباً بإذن الله. و حان الوقت إما لبيع تلكم الأراضي, أو تطويرها بتكوين شراكات مع مطورين, أو إقامة صندوق عقاري عليها يسهل عملية تطويرها. و أخيرا أحب أن أنوه أن شخصية “العم أبو سليمان” من نسج الخيال و لكن الأحداث صحيحة، و واقع عاشرته شخصيا.
الصحن
© 2020 جميع حقوق النشر محفوظة لـ صحيفة مال
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734