الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
رئيس تنفيذي لشركة استثمارية – دبي
ahmad_khatib@
من السذاجة تصديق مثل هذه الجمل التي تستخدم كعناوين لكتب تدعي التثقيف والتعليم أو لمحاضرات وتنظيرات تُقدَّم في كل مكان. غالبا سنجد مقدمي تلك النصائح إما من الكتاب المشهورين أو الأكاديميين وهم يقدمونها بشكل نظري منظم و مرتب وأنيق. طبعا ممكن استخدام عناوين مختلفة لكنها تحمل نفس المعنى مثل “طريقك الى الثروة في خطوات” و”حقق ثروة كبيرة في عدة سنوات” وغيرها من الكلمات الجذابة.
تحقيق الثروة والنجاح يحتاج إلى مقومات لا يمكن تعلمها في كتاب واحد او بالاستماع الى محاضرة قصيرة. تلك المقومات تعتمد أساسا على اتخاذ القرارات والمخاطرة وهذان العاملان لا يمكن تعلمهما نظريا. هما يُكتسبان بالخبرة والممارسة كما ان النتيجة ستختلف من شخص لآخر. لو كان الموضوع بتلك السهولة، لوجدنا كل من قرأ تلك الكتب قد اصبح مليونيرا.
ليس لدي إحصاءات، إلا إنني أجزم أن عدد من قرأ تلك الكتب يفوق عدد المليونيرات في العالم بملايين الأشخاص. في المقابل، سنجد عددا كبيرا من اصحاب الثروات في العالم مع أنهم لم يتبعوا خطوات المنظرين.
هناك فرق بين من يضع كتبا مثل المذكورة أعلاه ومن يكتب مثلا “كيف أصبحتُ مليونيرا”. في الحالة الثانية، شخص حقق ثروة و يريد رواية قصته والتعليق عليها. هل يمكن أن نقلد شخصا كهذا ونحقق نجاحا شبيها؟ كلا. لو أردنا أن نقوم بذلك فعلينا نسخ حياة ذلك الشخص كاملة وإعادتها من جديد للوصول لنفس النتائج، وهذا مستحيل. على سبيل المثال، هناك الكثير من اصحاب الملايين ممن لم يكملوا دراستهم الجامعية، فهل نترك الدراسة لنقلدهم؟ عدد من فعل ذلك وفشل فشلا ذريعا اكثر بكثير ممن نجح. الذين نجحوا وتفوقوا بعد خروجهم من الجامعة، او أولئك الذين لم يحصلوا حتى على تعليم أساسي، كانت لديهم مقومات مختلفة. لم ينجحوا بسبب عدم تلقيهم التعليم، بل لأنهم كان لديهم خطة وتصميم وحماس والقدرة على اتخاذ قرارات مهمة في الوقت المناسب والمخاطرة عندما يتوجب عليهم ذلك.
كل تلك الصفات هي مهارات مكتسبة من المحيط الذي يعيشه الشخص منذ طفولته. علماء النفس والاجتماع بإمكانهم تحليل ذلك بشكل أفضل مني، إلا أنني أتحدث هنا عن أهمية تلك الصفات والمهارات وأن يحاول كل شخص أن يقيّم نفسه من خلالها.
اذا استثنينا اللصوص والأثرياء بالوراثة، فإنه من الصعب أن نجد ثريا يخشى الخسارة بالمطلق، كما لن نجد ثريا لم يتعرض لخسارة في حياته. من يخشى الخسارة بالمطلق فهو لا يخاطر، و تحقيق الثروة يتطلب الاستثمار وهو ما يحمل المخاطرة. اذا كنت من النوع الذي يدخر من راتبه الشهري ولكنك تخاف ان تستثمر مدخراتك خوفا من خساراتها، فلا عيب في ذلك، لكن لا تبحث عن ثروة كبيرة بدون مخاطر.
اضافة الى ما تقدم، لا تتوقع تحقيق ثروة كبيرة لمجرد أنك تريد ذلك. اذا لم تعمل في سبيل ذلك، لا تتوقع أنك فجأة ستجد الفرصة وتتحول الى مليونير. الثراء بين ليلة وضحاها ممكن بالوراثة فقط، عدا عن ذلك، كل من حقق ثروة لديه قصة طويلة من الكفاح والعمل.
صفات التصميم والمثابرة وعدم الاستسلام جميعها تتعلق بالشخص نفسه كما هي مهارات خوض التحديات والمغامرات. من حققوا الثروات ضحوا بأشياء في حياتهم أو خاطروا بخسارة أشياء أخرى. اذا لم تكن مستعدا للتضحية، فلا تحمل نفسك ضغطا مجانيا لرغبتك بتحقيق الثروة مع خوفك من خسارة أشياء معينة في حياتك.
الأرباح الكثيرة ممكنة إما عن طريق الاستثمار كما ذكرنا أو في حالة امتلاك صفات شخصية مميزة تهم الآخرين كأن يكون الشخص فنانا أو لاعب كرة مثلا. هناك أيضا من امتلك مهارات فنية وشخصية مميزة لكنه لم يحقق ثروة بسببها لأنه لم يعمل ما يكفي او كان كسولا أو غير ذلك.
لا اكتب هذا المقال لأدل القرّاء على طريقة تحقيق الثروة، ولا لأدعي أنني أعرف أسرار الوصول إليها. ما أحاول شرحه في هذا المجال، أن الشخص بإمكانه تقييم نفسه وصفاته ومهاراته وقدرة تحمله في مجالات الاستثمار واتخاذ القرارات والمخاطرة. ويمكنه بعد ذلك أن يقرر اذا ما كان يستطيع تغيير اي منها ومحاولة تحقيق ثروة من عدمه. كما أنه يمكنه بسهولة ان يقرر أنه لا يملك متطلبات ومقومات تحقيق الثروة فيغير من أهدافه ويعيش متصالحا مع نفسه. يمكنه تحقيق ثروة أقل مثلا أو مبلغا يكفيه، فكل شخص يمكنه تحديد أهدافه اذا قام بدراسة وضعه بعناية.
أعرف بعض من قاموا بالتقييم وقرروا أنهم غير مهيئين لتحقيق ثروة. هؤلاء يعيشون حياة سعيدة جدا.
الخطيب
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال